موضوعه الشكّ في نجاسة الثوب بقاء ، واستصحاب طهارة الماء يلغي تعبّدا الشكّ في تمام آثار طهارة الماء بما فيها تطهيره للثوب ، فيرتفع بالتعبّد موضوع استصحاب النجاسة ؛ كما تقدّم في الحلقة السابقة (١).
كما إذا تعارض استصحاب طهارة الماء مع استصحاب نجاسة الثوب فيما إذا غسل الثوب المتنجّس بماء مشكوك الطهارة بقاء ، فإنّ استصحاب بقاء الطهارة للماء يتعارض مع استصحاب بقاء النجاسة للثوب ، ولكن مع ذلك يتقدّم استصحاب الطهارة للماء ؛ لأنّه أصل سببي ، بينما استصحاب نجاسة الثوب لا يجري ؛ لأنّه أصل مسببي.
والمقصود من الأصل السببي هو الأصل الجاري في الموضوع ، فإنّ إثبات الموضوع أو نفيه يترتّب عليه شرعا إثبات الحكم أو نفيه ؛ لأنّ الحكم مترتّب شرعا على موضوعه نفيا أو إثباتا.
بينما الأصل المسبّبي هو الأصل الجاري في الحكم ، وإثبات الحكم أو نفيه لا يترتّب عليه شرعا إثبات موضوعه أو نفيه ، وإنّما يكون ذلك من خلال حكم العقل على أساس الملازمة بينهما والأصل لا يجري لإثبات اللوازم العقليّة كما تقدّم.
ومن هنا كان الأصل السببي متقدّما على الأصل المسبّبي ؛ لأنّه ينقّح موضوعه نفيا أو إثباتا في رتبة سابقة ، ومع تنقيح الموضوع يصبح الحكم معلوما تعبّدا ويرتفع الشكّ به فلا يجري.
وقيل في توجيه ذلك بأنّ الأصل السببي حاكم على المسبّبي ؛ وذلك لأنّ استصحاب نجاسة الثوب في المثال المتقدّم موضوعه الشكّ في نجاسة الثوب بقاء ، والمفروض أنّ استصحاب طهارة الماء يثبت الآثار الشرعيّة المترتّبة على بقاء الطهارة للماء ومن جملة هذه الآثار الشرعيّة طهارة المغسول به لو كان متنجّسا ، وهذا يعني أنّه يرفع الشكّ في نجاسة الثوب بقاء ويثبت طهارته ، وبذلك يرتفع موضوع استصحاب نجاسة الثوب فلا يجري.
__________________
(١) في تطبيقات بحث الاستصحاب ، تحت عنوان : الاستصحاب في حالات السببي والمسبّبي.