حيث السند فالتعارض يبقى بين الدلالتين ولا يسري إلى السندين للقطع بصدورهما كالآيتين مثلا.
والتعارض المستقرّ يقسم إلى قسمين أيضا :
فتارة يكون التعارض بنحو التباين كما إذا قيل : ( أكرم العالم ) وقيل : ( لا تكرم العالم ).
وأخرى يكون بنحو العموم والخصوص من وجه ، كما إذا قيل : ( أكرم العالم ) وقيل : ( لا تكرم الفاسق ) ، فإنّهما يتعارضان في مادّة الاجتماع.
وسوف نتحدّث عن المقام الأوّل : أي مقتضى القاعدة الأوّليّة ، فنقول :
والمعروف أنّ القاعدة تقتضي التساقط ؛ لأنّ شمول دليل الحجّيّة للدليلين المتعارضين غير معقول ، وشموله لأحدهما المعيّن دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، وشموله لهما على وجه التخيير لا ينطبق على مفاده العرفي ـ وهو الحجّيّة التعينيّة ـ فيتعيّن التساقط.
المقام الأوّل : ذهب المشهور إلى أنّ القاعدة الأوّليّة هي التساقط.
واستدلّوا على ذلك بأنّ دليل الحجيّة الدالّ على حجّيّة الخبرين المتعارضين مثلا تارة يكون لبّيّا كالسيرة العقلائيّة وأخرى يكون لفظيّا كالآيات والروايات.
فإن كان لبّيّا فيقتصر في دليل الحجّيّة على القدر المتيقن ؛ لأنّ الأدلّة اللبّيّة لا إطلاق فيها ، والقدر المتيقّن من دليل الحجّيّة هو غير حالات التعارض ، فتكون حالة التعارض خارجة بنفسها عن مدلول دليل الحجّيّة وهو معنى التساقط ، وهذا لم يذكره السيّد الشهيد هنا.
وإن كان لفظيّا كالآيات أو الروايات التي يتمسّك بها كدليل على حجّيّة خبر الثقة مثلا ، فهي مطلقة بحسب النظر الأوّلي لكلا الخبرين ، ولكن في حالة التعارض لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقها ؛ وذلك لأن شمول دليل الحجّيّة لكلا الخبرين معا غير معقول في نفسه ؛ لأنّ معناه التعبّد بالنقيضين أو الضدّين وهو محال.
وشمول دليل الحجّيّة لأحدهما المعيّن أي هذا الخبر بالخصوص دون ذاك ترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّنا نفترض أنّ الخبرين متساويان في الخصوصيّات ولا مزيّة لأحدهما على الآخر ، فترجيحه كذلك لا مبرّر له.