الالتزامي نشأ من العلم من الخارج بأنّه لا تجب إلا خمس صلوات في اليوم والليلة ، ممّا يعني أنّه لا توجد صلاة أخرى غير الصلاة التي يثبتها أحد الدليلين.
وهذا معناه أنّ الدليل الدالّ على صلاة الجمعة يثبت التنجيز لصلاة الجمعة ويثبت التأمين عن صلاة الظهر ؛ لأنّه ينفي وجود صلاة أخرى غير الجمعة فهو يثبت التأمين ، بمعنى أنّه يوجد تأمين من ناحية تلك الصلاة المفترضة.
وهكذا يقال بالنسبة لصلاة الظهر ، فيكون شمول دليل الحجّيّة لهما معا معناه التعبّد بالتنجيز والتعذير معا على موضوع واحد ؛ لأنّ كلاّ منهما ينجّز نفسه ويعذّر عن الآخر ، فالتعبّد بهما يعني التعبّد باجتماع المنجّزيّتين والمعذّريّتين معا ، وهو مستحيل ؛ لأنّ اجتماع المنجّزيّتين معا وإن كان لا محذور فيه ، لأنّه يؤدّي إلى الموافقة القطعيّة إلا أنّ اجتماع المعذّريّتين معا يؤدّي إلى محذور اجتماع الضدّين أو النقيضين معا وهو مستحيل.
وبهذا يتّضح وجه التوهّم والمغالطة فيما ذكر ؛ لأنّه كان مبنيا على إبراز المعارضة بلحاظ المدلول المطابقي فقط ، مع أنّه لا يوجد معارضة بينهما ؛ لأنّه يجوز اجتماعهما معا ذاتا ، وإنّما المعارضة بينهما بلحاظ المدلول المطابقي في أحدهما والمدلول الالتزامي في الآخر ، وشمول دليل الحجّيّة لهما يؤدّي إلى اجتماع التنجيز والتعذير معا وهو محال ؛ لكونه من اجتماع الضدّين.
فإن قيل : هذا يعني أنّ المحذور نشأ من ضمّ الدلالتين الالتزاميّتين في الحجّيّة إلى المطابقيّتين فيتعيّن سقوطهما عن الحجّيّة ؛ لأنّهما المنشأ للتعارض ، وتظلّ حجّيّة الدلالة المطابقيّة في كلّ من الدليلين ثابتة.
وقد يشكل على ما ذكرناه من كون المعارضة بين المدلول المطابقي في أحدهما والمدلول الالتزامي في الآخر فيقال : إنّ المدلولين المطابقيّين لا يوجد تعارض بينهما ؛ لأنّه لا تنافي بينهما ذاتا إذ يمكن اجتماعهما معا ، وهذا معناه أنّ منشأ التعارض بين المدلولين المطابقيّين إنّما هو وجود المدلول الالتزامي في كلّ منهما ، فلولا وجود هذا المدلول الالتزامي لم يكن هناك تعارض أصلا. وعليه فبدلا من أن ندخل المدلولين المطابقيّين في المعارضة نقول بأنّ المدلولين الالتزاميّين فيهما يحكم بتعارضهما وتساقطهما ، ويبقى المدلول المطابقي في كلّ منهما مشمولا لدليل الحجّيّة.