نعم ، في الأصول العمليّة الترخيصيّة كنّا نحكم بتعارضها وتساقطها ؛ لأنّها تؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال ، ولكن فرق بين الأمارة والأصل ، لأنّ الأصل لوازمه ليست حجّة فلا يمكن الالتزام بما يؤدّي إليه ، بينما الأمارة حجّة فيكون الالتزام بما تؤدّي إليه حجّة لو لا المعارضة ، ولذلك يحكم بالتعارض والتساقط.
فإن قيل : المبرّر لطرح الدلالة الالتزامية خاصّة دون المطابقيّة أنّها ساقطة عن الحجّيّة على أيّة حال ، سواء رفعنا اليد عنها ابتداء أو رفعنا اليد عن الدلالتين المطابقيّتين ؛ لأنّ سقوط المطابقيّة عن الحجّيّة يستتبع سقوط الالتزاميّة ، فالدلالة الالتزامية إذا ساقطة عن الحجّيّة على أيّة حال ، إمّا سقوطا مستقلاّ أو بتبع سقوط الدلالة المطابقيّة ، ومع هذا فلا موجب للالتزام بسقوط الدلالة المطابقيّة.
وقد يقال في بيان الإشكال بنحو آخر : إنّ المعارضة وإن كانت بين المدلول المطابقي في أحدهما وبين المدلول الالتزامي في الآخر ، إلا أنّه مع ذلك يحكم بسقوط الدلالتين الالتزاميّتين عن الحجّيّة دون المطابقيّتين ، حتّى ولو كان دليل الحجّيّة نسبته إليهما على حدّ واحد ؛ وذلك لوجود المرجّح والمبرّر لسقوطهما.
وتوضيح ذلك : أنّنا إذا قلنا باستقرار التعارض بين مجموع الدلالات الأربع في الدليلين المتعارضين ، فهذا معناه الحكم بسقوط المدلولين الالتزاميّين والمدلولين المطابقيّين معا ؛ بينما إذا قلنا باقتصار التعارض على المدلولين الالتزاميّين فسوف تبقى الدلالتان المطابقيّتان على الحجّيّة.
وهنا نلاحظ أنّ المدلولين الالتزاميّين ساقطان على كلّ حال ، أي سواء سقطت الدلالتان المطابقيّتان أيضا أم لا ، فيكون من الدوران بين الأقلّ والأكثر فيقتصر على الأقلّ دون الأكثر ، وهنا يدور الأمر بين سقوط الأقلّ وهو الدلالتان الالتزاميّتان وبين سقوط الأكثر وهو سقوط الدلالات الأربع جميعا ، فيقتصر فيه على الأقلّ ؛ لأنّه به ترتفع المعارضة أيضا ، فلا حاجة ولا مبرّر لرفع المعارضة بالأكثر ما دام الأقلّ يفي بذلك.
وهذا معناه وجود المرجّح لإسقاط المدلول الالتزامي في كلا المعارضتين والإبقاء على المدلول المطابقي فيهما وشمول دليل الحجّيّة له.
ويمكننا أن نقول بعبارة ثانية : إنّ دليل الحجّيّة لمّا كان شاملا للدلالات الأربع بمعنى