ولا يلزم منها أيّ محذور آخر ؛ لأنّها إنّما تتمّ فيما إذا لم يكن التنافي بمعنى التناقض بل بمعنى التضادّ ؛ لأنّ التنافي لو كان بمعنى التناقض فكان كذب أحدهما مستلزما لصدق الآخر لا محالة فيلغو جعل الحجّيّة التخييريّة له ، وأمّا إذا كان بنحو التضادّ فالعلم بكذب أحدهما لا يلزم منه تعيّن الآخر لإمكان ارتفاعه فيكون جعل الحجّيّة التخييريّة فيهما معقولا (١).
فإن قيل : ما دمنا لا نعلم الكاذب من الصادق فلا نستطيع أن نميّز أيّ الحجّيّتين المشروطتين تحقّق شرطها لنعمل على أساسها ، فأيّة فائدة في جعلهما؟
وقد يشكل على الحجّيّة التخييريّة بما حاصله : أنّنا لو سلّمنا بالحجّيّة التخييريّة وكونها معقولة في نفسها ولا تنافي الظاهر من مفاد دليل الحجّيّة ، إلا أنّه مع ذلك لا يمكن المصير إليها لعدم الفائدة من جعلها على الخبرين.
والوجه في عدم الفائدة : أنّنا لو قلنا بحجّيّة كلّ واحد من الخبرين مشروطا بأن لا يكون الآخر صادقا ، فحيث إنّنا لا نعلم الصادق من الكاذب منهما فسوف لن نعلم بتحقّق الشرط لا في هذا الخبر ولا في ذاك ؛ لأنّنا إذا أردنا تطبيقها على الخبر الأوّل فشرطها ألاّ يكون الثاني صادقا والحال أنّنا لا نعلم أنّه صادق أو كاذب ، إذ لو كنّا نعلم بذلك لانحلّ التعارض من أساسه ، وما دمنا لا نعلم بصدقه أو بكذبه فشرط الحجّيّة التخييريّة في هذا الخبر لا يعلم بتحقّقه ، ومع عدم العلم بتحقّقه لا تشمله الحجّيّة التخييريّة لعدم إحراز شرطها فيه.
وهكذا يقال بالنسبة للخبر الثاني ، وتكون النتيجة أنّ التعبّد بالحجّيّة التخييريّة كعدمه ليس له أيّ أثر فيلغو.
كان الجواب : أنّ الفائدة نفي احتمال ثالث ؛ لأنّنا نعلم بأنّ أحد الدليلين كاذب ، وهذا يعني العلم بأنّ إحدى الحجّيّتين المشروطتين فعليّة ، وهذا يكفي لنفي الاحتمال الثالث.
والجواب عن الإشكال بأنّ الفائدة موجودة وهي نفي الاحتمال الثالث.
وتوضيحه : أنّنا إذا علمنا إمّا بوجوب الجمعة وإمّا بحرمتها ، وقلنا بالحجّيّة التخييريّة
__________________
(١) هذا إذا كان التضادّ من نوع الضدّين اللذين لهما ثالث ، وأمّا إن كانا من الضدّين اللذين لا ثالث لهما فحكمهما حكم النقيضين حينئذ.