الثانية : إذا افترضنا دليلين لفظيّين قطعيّين دلالة ظنّيين سندا ، تعارضا معارضة مستقرّة ، فالتنافي بينهما يسري إلى دليل الحجّيّة كما تقدّم (١) ، وهو هنا دليل واحد وهو دليل حجّيّة السند.
الحالة الثانية : ما إذا كان لدينا دليلان قطعيّان من حيث الدلالة ولكنّهما ظنّيّان من جهة السند كالخبرين مثلا ، فهنا يقع التعارض بينهما بلحاظ السند لا الدلالة ؛ وذلك لأنّ الدلالة فيهما وإن كانت متنافية ولكنّها لمّا كانت قطعيّة فلا يشملها دليل حجّيّة الظهور ؛ لأنّه مختصّ بالدلالة الظنّيّة.
نعم ، لا يمكن الأخذ بالدلالتين معا لمكان التنافي بينهما ، وهذا معناه أنّ التنافي والتعارض سوف يسري إلى السندين فتكون المعارضة في السند ؛ لأنّ دليل حجّيّة السند يشملهما معا بإطلاقه ، وحيث لا يمكن الأخذ بهما بسبب التنافي بينهما في الدلالة فيتساقطان.
وهنا نلاحظ أنّ المعارضة في دليل واحد وهو دليل حجّيّة السند فقط ، وأمّا دليل حجّيّة الظهور فلا تعارض بلحاظه ؛ لأنّه لا موضوع له أصلا ؛ لأنّ الدلالتين قطعيّتان وحجّيّتهما لا تحتاج إلى حجّيّة الظهور.
الثالثة : إذا افترضنا دليلين لفظيّين ظنّيّين دلالة وسندا ، فلا شكّ في سراية التنافي إلى دليل حجّيّة الظهور ، ولكن هل يسري إلى دليل حجّيّة السند أيضا؟
قد يقال بعدم السريان ؛ إذ لا محذور في التعبّد بكلا السندين ، وإنّما المحذور في التعبّد بالمفادين.
ولكنّ الصحيح هو السريان ؛ لأنّ حجّيّة الدلالة وحجّيّة السند مرتبطتان إحداهما بالأخرى ، بمعنى أنّ دليل حجّيّة السند مفاده هو التعبّد بمفاد الكلام المنقول ، لا مجرّد التعبّد بصدور الكلام بقطع النظر عن مفاده.
الحالة الثالثة : ما إذا كان لدينا دليلان ظنّيّان من جهة السند ومن جهة الدلالة أيضا.
فهنا لا إشكال في أنّ الدلالتين المتنافيتين يقع التعارض بينهما ؛ وذلك لأنّ دليل حجّيّة الظهور يشملهما معا لكونهما معا ظنّيّين ، ولكنّ التعبّد بكلتا الدلالتين لمّا كان
__________________
(١) في تمهيد بحث التعارض تحت عنوان : ما هو التعارض المصطلح؟