وبهذا يتّضح الوجه فيما قلناه هنا وقلناه سابقا ، فإنّه هنا مبني على الدقّة وما هو واقع حقيقة ، بينما ما ذكرناه هناك مبني على المسامحة العرفيّة.
التنبيه الثالث : وقع البحث في أنّ المتعارضين بعد عجز كلّ منهما عن إثبات مدلوله الخاصّ هل يمكن نفي الاحتمال الثالث بهما؟
وقد يقرّب ذلك بوجوه :
إذا وقع التعارض بين الدليلين وحكم بتساقطهما بمقتضى القاعدة والأصل الأوّلي ، وفرض أنّ لهما مدلولا التزاميّا مشتركا ينفيه كلّ واحد منهما ، فهل يؤخذ بهذا المدلول المشترك وينفى به الاحتمال الثالث أم لا؟
ومثال ذلك : ما إذا تعارض الدليل الدالّ على وجوب صلاة الجمعة والدليل الدالّ على حرمتها وتساقطا عن الحجّيّة معا ، فهل يمكن الأخذ بمفادهما الالتزامي لنفي استحباب صلاة الجمعة مثلا أو لا؟
وهكذا الحال في سائر الموارد التي تكون النسبة بين المتعارضين هي الضدّين اللذين لهما ثالث.
قد يقال : إنّه ينتفي الاحتمال الثالث بالمتعارضين ، وقرّب ذلك بوجوه :
أوّلها : التمسّك بالدلالة الالتزامية في كلّ منهما لنفي الثالث ، فإنّها غير معارضة فتبقى حجّة. وهذا مبنيّ على إنكار تبعية الدلالة الالتزاميّة للدلالة المطابقيّة في الحجّيّة.
التقريب الأوّل : أن يقال : إنّنا ننفي الاحتمال الثالث تمسّكا بالمدلول الالتزامي في كلّ من الدليلين المتعارضين ، وذلك لعدم التعارض بين الدليلين في المدلول الالتزامي ؛ لأنّ كلاّ منهما ينفي الاحتمال الثالث ولا تعارض بينهما في ذلك ؛ ولذلك يسقطان عن الحجّيّة بلحاظ المدلول المطابقي للتعارض بينما يبقيان على الحجّيّة بلحاظ مدلوليهما الالتزاميّين ؛ لعدم التعارض بينهما بلحاظه ، وبذلك ننفي الاحتمال الثالث المشترك بينهما.
وفيه : أنّه مبني على عدم التبعيّة بين الدلالة الالتزاميّة والدلالة المطابقيّة في الحجّيّة ، فتبقى الدلالة الالتزاميّة على الحجّيّة حتّى لو سقطت الدلالة المطابقيّة ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني.