دليل الحجّيّة تارة يكون لفظيّا كالآيات والروايات الدالّة بإطلاقها أو على حجّيّة خبر الثقة أو حجّيّة الظهور.
وأخرى يكون دليلا لبّيّا كالسيرة العقلائيّة أو المتشرّعيّة أو الإجماع الدالّ على حجّيّة خبر الثقة أو حجّيّة الظهور.
وما ذكرناه من بحوث سابقة إلى الآن كنّا نقصد به التعارض مع افتراض مقدّر ومستبطن ، وهو أنّ الدليل الدالّ على حجّيّة السند أو على حجّيّة الظهور في الدليلين المتعارضين هو الدليل اللفظي كالآيات أو الروايات ، ولهذا كنّا نتمسّك بإطلاقه في بعض فرضيّات التعارض للدليلين معا أو لأحدهما بالخصوص أو لأحدهما غير المعيّن.
ومن الواضح أنّ التمسّك بالإطلاق إنّما هو من شئون باب الألفاظ ، وكذلك كنّا نسقط دليل الحجّيّة ونحكم بقصوره في بعض الموارد مقتصرين في ذلك على المقدار الذي ترتفع فيه غائلة التعارض دون المقدار الأزيد من ذلك ؛ لأن الإطلاق في دليل الحجّيّة لمّا كان مستقرّا ابتداء فلا ترفع اليد عنه بلحاظ الحجّيّة إلا بمقدار الضرورة فقط.
وأمّا في الأدلّة اللبّيّة فإذا فرضنا أنّنا نتعامل مع الدليلين المتعارضين على أساس كون دليل الحجّيّة فيهما هو الدليل اللبّي كالسيرة أو الإجماع ، فهنا حيث إنّ الدليل اللبّي لا إطلاق فيه فهو لا يشمل حالات التعارض بين الدليلين ؛ لأنّ القدر المتيقّن من دليل الحجّيّة للسند أو للظهور إنّما هو غير حالات التعارض ، وأمّا مع فرض المعارضة فلا يقين لدينا بشمول الدليل اللبّي لها ليحكم بحجّيّة الدليلين أو أحدهما ، ومن هنا كان الحكم هو التساقط في كلّ فرضيّات التعارض.
وحيث إنّ دليل حجّيّة السند ودليل حجّيّة الظهور العمدة فيهما هو السيرة العقلائيّة الممضاة من الشارع بسبب سكوته وعدم ردعه عنها ، وهكذا السيرة المتشرّعيّة ، وهما دليلان لبّيّان ، فسوف تختلف النتائج التي ذكرناها سابقا في موردين.
وأمّا الوجه في كون العمدة في دليل حجّيّة السند والظهور هو الدليل اللبّي لا اللفظي ، فلأنّ الآيات والروايات التي يدّعى دلالتها على الحجّيّة بالنسبة للسند أو الظهور فهي على فرض التسليم بها وتماميّة دلالتها لا تعدو كونها أدلّة إمضائيّة للنكتة