فهناك ذكرنا أنّه تسري المعارضة إلى دليل التعبّد بالسند أيضا من جهة الدليل الظنّي السند ، فتكون المعارضة بين دليلين للحجّيّة.
ولكن قد يقال هنا بأنّ الروايات دلّت على إلغاء حجّيّة الدليل الظنّي السند وبالتالي نرفع اليد عن مقتضى القاعدة الأوّليّة المتقدّمة في هذه الحالات من وقوع التعارض بين دليل التعبّد بالسند ودليل حجّيّة الظهور وتساقطهما ، وتكون النتيجة على ضوء القاعدة الثانويّة المستفادة من الروايات هي تقديم الدليل القطعي السند ، لسقوط الدليل الظنّي عن الحجّيّة رأسا حينئذ.
وتسمّى روايات هذا القسم بروايات العرض على الكتاب ؛ لأنّها تقتضي عرض الأخبار على الكتاب وطرح المخالف له.
ثمّ إنّ هذه القاعدة الثانويّة قد تكون مخالفة للقاعدة الأوّليّة فيما إذا كان دليل الحجّيّة هو الدليل اللفظي كالآيات والروايات حيث تكون بإطلاقها شاملة للخبر في حال التعارض بينه وبين الدليل القطعي السند ، وقد تكون موافقة للقاعدة الأوّليّة وذلك فيما إذا كان دليل الحجّيّة هو الدليل اللبّي كالسيرة والإجماع ـ كما هو الصحيح ـ فإنّه قلنا بأنّ القدر المتيقّن هو حجّيّة الخبر غير المعارض ؛ لأنّ العقلاء لا يبنون على العمل بالخبر المعارض للدليل القطعي ؛ لأنّه يقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو غير حالات التعارض ، وهذا ما ذكرناه في التنبيه الرابع من تنبيهات النظريّة العامّة للتعارض المستقرّ فليراجع.
والقسم الآخر : ما يتّصل بحالات التعارض بين الدليلين الظنّيّين سندا ، إذ قد يقال بوجود ما يدلّ على عدم التساقط وثبوت الحجّيّة لأحد المتعارضين تعيينا أو تخييرا على نحو نرفع اليد به عما تقتضيه القاعدة من التساقط ، ونسمّي روايات هذا القسم بروايات العلاج.
وسنتكلّم عن هذين القسمين تباعا.
والمقصود من ذلك هو حالات التعارض بين الدليلين الظنّيّين سندا ، حيث تقدّم إنّ مقتضى التعارض بينهما هو التساقط فيما إذا كانا ظنّيّي الدلالة أيضا ، لسريان التنافي من دليل حجّيّة الظهور إلى دليل التعبّد بالسند ، أو يقال بالحجّيّة التخييريّة كما ذكرنا