كلا الحكمين واقعا ، والدليل على ذلك : هو أنّ التعارض الذي افترضه السائل بين الروايتين أو الحكمين هو من نوع التعارض غير المستقرّ ، أي التعارض الذي يكون فيه جمع عرفي بين المدلولين ، فإنّ الرواية الدالّة على كون الركعتين لا يصلّيهما إلا على الأرض والرواية الدالّة على جواز إيقاعهما في المحمل يجمع بينهما بحمل النهي على غير الحرمة والإلزام بقرينة الرواية الثانية الدالّة على الترخيص ، فيكون المراد من النهي هو الإرشاد إلى رجحان الصلاة على الأرض من الصلاة على المحمل ، وهذا معناه ثبوت كلا النحوين من الصلاة واقعا ، فهو مخيّر بينهما إن شاء أخذ بمفاد الترخيص وصلّى في المحمل ، وإن شاء أخذ بمفاد النهي غير الإلزامي وصلّى على الأرض ، إذ لا تنافي بينهما ؛ لأنّ النهي غير الإلزامي يجتمع مع الترخيص كالكراهة أو التنزيه.
وعليه فيكون نظر الإمام عليهالسلام إلى بيان التخيير الفقهي في مقام العمل بكلا الحكمين لعدم التنافي بينهما ؛ لأنّه يجمع بينهما جمعا عرفيّا ، وهذا خارج عن محلّ الكلام الذي يدّعى فيه التخيير الأصولي بين الحجّيّتين في مقام التعارض والتنافي بينهما بحيث لا يمكن الجمع العرفي بينهما.
وبهذا يظهر عدم تماميّة الاستدلال بالرواية على التخيير المدّعى.
ومنها : مكاتبة الحميري عن الحجّة عليهالسلام إذ جاء فيها : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : بحول الله وقوّته أقوم وأقعد.
فكتب عليهالسلام في الجواب : « أنّ فيه حديثين ، أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا » (١).
وفقرة الاستدلال منها قوله عليهالسلام « وبأيّهما أخذت من جهة التسليم
__________________
(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٣ ، أبواب السجود ، ب ١٣ ، ح ٨.