بل يكون قد بيّن شيئا ليس هو مراده الجدّي ، وهذا منفيّ بالإطلاق ومقدّمات الحكمة الدالّة على أنّه في مقام البيان والتفهيم وليس في مقام الإجمال والإهمال ونحو ذلك.
والحاصل : أنّ الجمع العرفي سواء بالأخصّيّة أم بالحكومة يعتبر قرينة على كون الإمام بصدد بيان الحكم الواقعي للقضيّة المطروحة للسؤال ؛ لأنّه يمكنه الاعتماد في بيانه على الجمع العرفي الثابت لدى العقلاء والثابت أيضا لدى المتشرّعة والفقهاء ، وليس بصدد بيان التخيير الظاهري بين الحجّيّتين ؛ لأنّ هذا يعتبر شيئا جديدا غير مبيّن في كلامه ، إذ جملة : « وبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا » معناها أنّه يجوز له الأخذ بأحد الحكمين ؛ لأنّه لمّا جاز له ترك التكبير فهذا معناه أنّه مرخّص في تركه ، ممّا يعني أنّه يجوز له تركه ويجوز له فعله أيضا ؛ لأنّ التخيير الواقعي بينهما ممكن ، وليس بصدد بيان التخيير في الحجّيّة ؛ لأنّه فرع استقرار التعارض واستحكامه بين الدليلين وهذا منتف في المقام على هذا الاحتمال.
وإذا كانت جملة مستقلّة وكان الحديث الثاني متكفّلا لحكم القيام من الجلوس بعد السجدة الثانية وأنّه ليس على المصلّي تكبير فيه ، فلا تعارض بين الحديثين في مورد سؤال الراوي وهو الانتقال من التشهّد إلى القيام ، فيكون هذا بنفسه قرينة على أنّ المراد هو الترخيص الواقعي.
وأمّا الاحتمال الثاني : وهو ما إذا كانت الفقرة المذكورة جملة مستقلّة من الإمام الحجّة عليهالسلام عن الحديثين المختلفين اللذين نقلهما عن آبائه عليهمالسلام ، فهذا معناه أنّه لدينا حديثان :
أحدهما يثبت التكبير حين الانتقال من حالة إلى أخرى ، وهذا شامل بإطلاقه لمورد السؤال.
والآخر ينفي التكبير إذا رفع الرأس من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام ، فإنّه لا يجب عليه التكبير بعد القيام.
وهذان الحديثان ليسا متعارضين بالنسبة لمورد السؤال وهو ( حكم القيام بعد التشهد ) ؛ لأنّ الرواية الأولى تشمله بإطلاقها بينما الرواية الثانية تتحدّث عن مطلب آخر غير مورد السؤال. نعم بالنسبة لموردها يجمع بينها وبين الرواية الأولى