المكلّف ، فإذا صار فعليّا ووصل إلى المكلّف بأن علم المكلّف به إمّا علما حقيقيّا كالقطع وإمّا بالتعبّد كالأمارات ونحوها ، فهنا يكون الدليل الوارد رافعا لموضوع الدليل المورود ؛ لأنّه وصل إلى المكلّف ، وأمّا إذا لم يصل إلى المكلّف فهو لا يكون رافعا لموضوع الدليل المورود حتّى ولو كان فعليّا في الواقع بأن تحقّق موضوعه وسائر ما يتعلّق به ، إلا أنّه ما دام لم يعلم به المكلّف ولم يحرزه فهو لا يكون واصلا ، والقيد هنا الوصول لا الفعليّة.
وثالثا : أن يكون الدليل الوارد رافعا لموضوع الدليل المورود بلحاظ الامتثال ، فإذا صار فعليّا ووصل إلى المكلّف بأنحاء الوصول وامتثله ارتفع بذلك موضوع الدليل المورود ، وأمّا إذا لم يمتثله فحتّى لو كان فعليّا وواصلا إلى المكلّف فلا يرتفع موضوع الدليل المورود به ؛ لأنّ شرطه وقيده غير متحقّق وهو امتثال الدليل الوارد فيكون فعليّا.
وهناك حالتان أخريان لم يذكرهما السيّد الشهيد هنا ، وهما : مرتبة التنجّز ، ومرتبة الجعل ؛ لأنّ مراحل تعارض الحكمين خمس :
١ ـ الجعل ٢ ـ الفعليّة ٣ ـ الوصول ٤ ـ التنجّز ٥ ـ الامتثال.
ولعلّه لعدم أهمّيّتهما أو لندرة وقوعهما في الفقه.
ومثال الأوّل : دليل حرمة إدخال الجنب في المسجد الذي يرفع بفعليّة مجعوله موضوع صحّة إجارة الجنب للمكث في المسجد ، إذ يجعلها إجارة على الحرام ، ودليل صحّة الإجارة مقيّد بعدم كونها كذلك.
ومثال الثاني : دليل الوظيفة الظاهريّة الذي يرفع بوصول مجعوله عنوان المشكل المأخوذ في موضوع دليل القرعة.
ومثال الثالث : دليل وجوب الأهمّ الذي يرفع بامتثاله موضوع دليل وجوب المهمّ ، كما تقدّم في مباحث القدرة (١).
مثال الدليل الوارد الرافع بفعليّة مجعوله لموضوع الدليل المورود : ما إذا ورد حرمة دخول الجنب إلى المسجد ، فإنّه يعتبر واردا على مثل دليل الإجارة ، بمعنى كونه رافعا لموضوع الإجارة المتعلّق بدخول الجنب إلى المسجد ؛ لأنّ موضوع الإجارة مقيّد بعدم
__________________
(١) في بحث الدليل العقلي من الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة ، تحت عنوان : شرطيّة القدرة بالمعنى الأعمّ.