الحكمين على الآخر ، ولكنّه لمّا افترض السائل التساوي بينهما في الصفات لا يفضل أحدهما على الآخر انتقل الإمام إلى الترجيح بلحاظ شهرة الرواية التي استند إليها أحدهما في إصدار حكمه دون رواية الآخر الشاذّة ، ولذلك قال عليهالسلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » فإنّ الإمام يريد أن يرجّح الرواية التي استند عليها الحاكم في حكمه وكونها مجمعا عليها عند الأصحاب بمعنى كونها مشهورة ، ويترك حكم الآخر الذي استند إلى رواية شاذّة ؛ لأنّ مستنده ليس بصحيح.
وتوضيح قول الإمام عليهالسلام : أنّه ينظر إلى رواية كلّ من الحاكمين في ذلك المطلب الذي أصدرا الحكم فيه ، فيؤخذ بما كان مجمعا عليه ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور من ذاك المستند والرواية.
وعلى هذا فتكون الرواية ناظرة إلى كون الترجيح بالشهرة راجعا إلى الرواية لا إلى الحكم.
ولكن يمكن المناقشة في ذلك ؛ لأنّ تعبير الإمام بقوله : « يؤخذ به » أي يؤخذ بالحكم الذي روايته اشتهرت ويترك الحكم الذي روايته شاذّة ، فيكون الترجيح بالشهرة متعلّقا بالحكم لا بالرواية مجرّدة عن الحكم ، بل بالرواية التي هي مصدر للحكم ومضافة إليه ، فالاعتراض وارد.
ولهذا ولغيره علّق السيّد الشهيد على ذلك ، فقال :
ولكنّ الشهرة في المقبولة التي ورد الترجيح بها في الدرجة الثانية ظاهرة في الاشتهار والشيوع المساوق لاستفاضة الرواية وقطعيّتها ، وليست بمعنى اشتهار الفتوى على طبقها ؛ لأنّ ظاهر الحديث إضافة الشهرة إلى نفس الرواية لا إلى مضمونها ، وذلك يناسب ما ذكرناه.
ولكن يرد إشكال آخر على الترجيح بالشهرة ، وحاصله : أنّ الترجيح بالشهرة بعد الترجيح بالصفات راجع إلى الرواية لا إلى الفتوى ، بمعنى أنّ الشهرة الروائيّة مرجّحة لإحدى الروايتين لا الشهرة الفتوائيّة المطابقة لإحدى الروايتين ، فإنّ هذا غير ظاهر من المقبولة ؛ لأنّ التعبير فيها كان بقوله : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك