وقد ذهب البعض (١) إلى كونه استمراريّا وتمسّك بالاستصحاب ، إلا أنّ هذا الاستصحاب يبدو أنّه من استصحاب الحكم المعلّق إذا كان التخيير في الحجّيّة ؛ لأنّ مرجعه إلى أنّ هذا كان حجّة لو أخذنا به سابقا وهو الآن كما كان استصحابا.
وعلى أيّة حال فلا موضوع لهذا الخلاف بعد إنكار التخيير.
ثمّ إنّ القائلين بالتخيير ـ سواء كان أصوليّا أم فقهيّا ـ اختلفوا فيما بينهم في أنّ التخيير هل هو ابتدائي أم استمراري؟
والمراد من التخيير الابتدائي أنّ التخيير ثابت حدوثا ، بمعنى أنّ المجتهد أو المقلّد له أن يختار إحدى الحجّتين أو أحد الحكمين ، ثمّ بعد اختياره يتعيّن عليه ذلك ، فتخرج عن التخيير بقاء ؛ لأنّه يصبح متعيّنا عليه الأخذ بما اختاره أوّلا.
بينما المراد من التخيير الاستمراري أنّ التخيير ثابت حدوثا وبقاء معا ، فإذا اختار إحدى الحجّتين من الخبرين أو اختار أحد الحكمين وعمل به ، له أن يعدل عن ذلك إلى الخبر أو الحكم الآخر ويعمل به لاحقا وهكذا يكون مخيّرا باستمرار.
قد يقال : بأنّ المستفاد هو التخيير الاستمراري وذلك تمسّكا بالاستصحاب ، أيّ استصحاب التخيير الثابت قبل الالتزام بأحد الخبرين أو العمل بأحد الحكمين ، فإنّه بعد التزامه وعمله يشكّ في زوال التخيير فيستصحب بقاءه.
وفيه : أنّ الاستصحاب هنا من استصحاب الحكم المعلّق ؛ وذلك لأنّ مرجع هذا الاستصحاب إلى أنّه لو أخذ بالخبر الآخر أو بالحكم الآخر من أوّل الأمر لكان هو الحجّة دون الخبر أو الحكم الذي اختاره فعلا ، فيستصحب جواز الأخذ به الثابت من أوّل الأمر على فرض الأخذ به ، أو يقال : إنّ الخبر أو الحكم الآخر كان مخيّرا في اختياره من أوّل الأمر لو اختاره فيستصحب جواز اختياره السابق.
وحينئذ يرد عليه الإشكال الوارد في الاستصحاب التعليقي : من كونه معارضا بالحكم أو الخبر الفعلي الذي اختاره فإنّه يجري استصحابه أيضا ، بل الإشكال هنا آكد وأشدّ منه هناك ؛ لعدم كون الأخذ الفعلي مقيّدا ومشروطا.
__________________
(١) كالمحقّق العراقي في مقالات الأصول ٢ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ ، ونهاية الأفكار ٤ : ٢١٤.