وعلى كلّ حال فلا يهمّنا البحث عن جريان هذا الاستصحاب أو عدم جريانه ما دمنا قد أنكرنا أصل التخيير.
الثالثة : إذا تمّت روايات التخيير وروايات الترجيح المتقدّمة فكيف يمكن التوفيق بينهما؟
فقد يقال بحمل روايات الترجيح على الاستحباب.
ونلاحظ على ذلك : أنّ الأمر في روايات الترجيح إرشاد إلى الحجّيّة فلا معنى لحمله على الاستحباب ، بل المتعيّن الالتزام بتقييد روايات التخيير بحالة عدم وجود المرجّح.
لو فرضنا تماميّة الأخبار الدالّة على التخيير والترجيح معا ، وفرضنا أنّ الخبرين المتعارضين كانا واجدين لبعض المرجّحات ، فهل يحكم بتقديم المرجّحات على التخيير أو العكس؟
قد يقال بتقديم أخبار التخيير على أخبار الترجيح ، ويحكم بكون أخبار الترجيح محمولة على الاستحباب لا الوجوب ، وهذا ما ذهب إليه المحقّق الخراساني واستشهد لذلك باختلاف روايات الترجيح بعدد المرجّحات وكيفيّة ترتيبها.
والجواب : أنّ حمل روايات الترجيح على الاستحباب إنّما يتمّ فيما لو كان الأمر بإعمال المرجّحات فيها أمرا تكليفيّا دالاّ على الوجوب في نفسه ، فإنّه مع التعارض بينها وبين الروايات الدالّة على التخيير يجمع بينهما بحمل الأمر فيها على الاستحباب.
إلا أنّ الصحيح : هو أنّ الأمر الوارد في المرجّحات إنّما هو للإرشاد إلى الحجّيّة ، بمعنى أنّ الأمر بالأخذ بالموافق للكتاب دون المخالف له أو بالمخالف للعامّة دون الموافق لهم إنّما هو إرشاد إلى حجّيّة الموافق للكتاب أو المخالف للعامّة ، وليس أمرا تكليفيّا بالأخذ به من باب التعبّد ؛ لأنّ هذه المرجّحات فيها كاشفيّة وطريقيّة إلى الواقع توجب الظنّ النوعي القوي والأكيد بالصدور دون الفاقد لها.
وعليه فلا معنى لحملها على الاستحباب ؛ لأنّها ليست دالّة على حكم تكليفي أصلا بل هي إرشاديّة ، ولذلك لا موضوع للجمع المذكور ، بل الصحيح هو أنّ