عن هذا البناء المرتكز عند العقلاء لا يكفي فيه التمسّك بإطلاق رواية أو أكثر ، بل لا بدّ فيه من بلوغ الردع عنه درجة من التصريح والتأكيد يتناسب مع حجم ارتكاز هذا البناء عند العقلاء ، ولذلك لا تكفي أخبار العلاج بإطلاقها لأن تكون رادعة عن إخراج موارد الجمع العرفي من التعارض.
الخامسة : أنّ أخبار العلاج هل تشمل موارد التعارض المستقرّ غير المستوعب كحالات التعارض بين العامّين من وجه أو لا؟
كما إذا تعارض عامّان من وجه في مادّة الاجتماع ، كما إذا قيل : ( أكرم العالم ) وقيل : ( لا تكرم الفاسق ) ، فإنّهما يتعارضان في مادّة الاجتماع أي العالم الفاسق.
وقد تقدّم أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة هي الحكم بالتساقط بلحاظ مادّة الاجتماع ، ولكن يبحث هنا عن شمول أخبار العلاج لذلك سواء بالتخيير أم بالترجيح أم لا؟ والجواب عن ذلك :
وقد نقل عن المحقّق النائيني (١) ـ قدّس الله روحه ـ الجواب على ذلك بالتفصيل بين المرجّحات التي ترجع إلى الترجيح بلحاظ السند ـ وتسمّى بالمرجّحات السنديّة ـ كالترجيح بالأوثقيّة ، والمرجّحات المضمونيّة التي ترجع إلى الترجيح بلحاظ المضمون كالترجيح بموافقة الكتاب.
نقل السيّد الخوئي رحمهالله عن استاذه المحقّق النائيني قدسسره بأنّ الجواب عن ذلك يختلف حاله باختلاف المرجّحات ؛ وذلك لأنّ أخبار الترجيح على نحوين :
أحدهما : يرجع إلى الترجيح بلحاظ السند وتسمّى بالمرجّحات السنديّة ، كالأوثقيّة والأعدليّة والأفقهيّة والأورعيّة والأصدقيّة ، فإنّ هذه المرجّحات ترجّح سند أحد الخبرين على الآخر.
والآخر : يرجع إلى الترجيح بلحاظ المضمون والدلالة وتسمّى بالمرجّحات الدلاليّة
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣.