الاتّجاه الثاني : وهو الصحيح ، وحاصله : أنّه بعد الاعتراف بوجود التعارض بين الدليلين يقدّم الدليل الحاكم تطبيقا لنظريّة الجمع العرفي المتقدّمة ؛ لأنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ، وهذا النظر ظاهر في أنّ المتكلّم قد أعدّه لتفسير كلامه الآخر فيكون قرينة ، ومع وجود القرينة لا يشمل دليل الحجّيّة ذا القرينة ؛ لأنّ دليل حجّيّة الظهور مقيّد بالظهور الذي لم يعدّ المتكلّم قرينة لتفسيره ، فبالدليل الناظر المعدّ لذلك يرتفع موضوع حجّيّة الظهور في الدليل المحكوم ، سواء كان الدليل الحاكم متّصلا أو منفصلا ، غير أنّه مع الاتّصال لا ينعقد ظهور تصديقي في الدليل المحكوم أصلا ، وبهذا لا يوجد تعارض بين الدليلين أساسا ، ومع الانفصال ينعقد ولكن لا يكون حجّة لما عرفت.
الاتّجاه الثاني : ما يختاره السيّد الشهيد وحاصله : أنّ وجه تقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم هو النظر.
وبيان ذلك : أنّه مع وجود الدليلين يقع التعارض بينهما كما عرفنا ؛ لأنّ الدليل الحاكم لا ينفي موضوع الدليل المحكوم حقيقة وإنّما ينفيه ادّعاء وتعبّدا ، ولكن هذا التعارض غير مستقرّ ؛ لأنّه يجمع بينهما جمعا عرفيّا على أساس الإعداد الشخصي للقرينة.
فالمتكلّم عند ما جاء بالدليل الحاكم يكون قد أعدّه إعدادا شخصيّا لبيان وتفسير مراده النهائي من الدليل المحكوم ؛ وذلك لأنّ العرف يرى أنّ المتكلّم من حقّه أن ينصب قرينة على تحديد مراده النهائي من كلامه ، فيكون الدليل الحاكم حينئذ قرينة أعدّها المتكلّم لبيان هذا المراد النهائي ، ومع وجود هذه القرينة الشخصيّة سوف يكون الظهور في الدليل الحاكم هو الحجّة دون الظهور في الدليل المحكوم ، فإنّه لا يشمله دليل الحجّيّة لارتفاع موضوع حجّيّة الظهور عنه.
وبكلمة أوضح : إنّ العرف يرى أنّ المتكلّم له أن ينصب القرينة المحدّدة لمدلول كلامه النهائي ، وله ألاّ ينصب مثل هذه القرينة.