الثالث : أن يكون التقبّل العرفي لمفاد الدليل الحاكم مبنيّا على افتراض مدلول الدليل المحكوم في رتبة سابقة ، كما في « لا ضرر » أو « لا ينجّس الماء ما لا نفس له » بالنسبة إلى أدلّة الأحكام وأدلّة التنجيس.
أقسام النظر : عرفنا أنّ الحكومة ملاكها النظر ، وهذا النظر الشخصي يقسّم إلى ثلاثة أقسام ، وبلحاظه تقسّم الحكومة إلى ثلاثة أقسام أيضا :
الأوّل : الحكومة التفسيريّة ، ومعناها أن يكون النظر الشخصي الذي أعدّه المتكلّم ثابتا ببعض الأدوات الدالّة على التفسير أو ما يشبهها من قبيل : ( أعني ، أقصد ، مرادي ، أي ... ) إلى آخره.
فإذا قال : ( أكرم كلّ عالم ) ، ثمّ قال بعده : ( أعني بذلك الفقهاء ) ، فهذا الكلام الثاني يعتبر حاكما وناظرا إلى الكلام الأوّل ، وهذا النظر ثبت بكلمة ( أعني ) الدالّة على التفسير ، ولذلك سمّيت الحكومة تفسيريّة هنا.
الثاني : الحكومة التنزيليّة ، ومعناها الادّعاء والتعبّد برفع الموضوع أو ثبوته ، ممّا يعني أنّ الموضوع موجود واقعا وحقيقة وليس منتفيا ، أو أنّه منتف واقعا وحقيقة وليس ثابتا ، ولكن لمّا ادّعى الشارع ذلك وتعبّدنا بانتفاء الموضوع أو بثبوته فيكون هذا اللسان أي نفي الموضوع أو إثباته ناظرا في الحقيقة إلى نفي الحكم أو إثباته ؛ لأنّ أحد الألسنة البلاغيّة لنفي الحكم هي نفي موضوعه أو لإثباته إثبات موضوعه.
ويكون النظر ثابتا حينئذ على أساس هذا اللسان الادّعائي التنزيلي ، ولذلك سمّيت الحكومة تنزيليّة ؛ من قبيل قوله عليهالسلام : « لا ربا بين الوالد وولده » الحاكم على دليل حرمة الربا وهو قوله تعالى : ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) ؛ ومن قبيل قوله عليهالسلام : « الطواف في البيت صلاة » الحاكم على دليل « لا صلاة إلا بطهور ».
فإنّ المثال الأوّل ينفي فيه الدليل الحاكم الموضوع ادّعاء ، بمعنى تنزيله منزلة العدم ، ولمّا كان موجودا حقيقة فالنفي للموضوع يكون ناظرا إلى نفي الحكم حقيقة ، وبذلك يثبت النظر بملاك التنزيل.
والمثال الثاني يثبت الدليل الحاكم فيه كون الطواف فردا أو موضوعا من الصلاة ، ولمّا لم يكن كذلك حقيقة فيكون ناظرا إلى إثبات حكم الصلاة له حقيقة ، وبذلك يكون ناظرا إلى دليل شرطيّة الطهارة بملاك التنزيل.