فإنّ وجود الخصوصيّة وعدمها أمر واقعي إمّا أن توجد أو لا توجد ، فمع وجودها يكفي لتقديم الدليل الحاكم سواء كان ناظرا إلى الدليل المحكوم أم لا.
وعلى هذا الاتّجاه سوف يكون الفارق بين الحكومة والورود في أمر واحد فقط ؛ وذلك لأنّهما يشتركان معا في عدم اشتراط النظر ، وأمّا الفارق بينهما فهو أنّ الحكومة تنفي أو تثبت ادّعاء وتعبّدا ، بينما الورود ينفي أو يثبت حقيقة لا ادعاء وتعبّدا.
والفارق الآخر : أنّ الاتّجاه الثاني يفسّر حكومة مثل : « لا حرج » و « لا ضرر » و « لا ينجّس الماء ما لا نفس له » ؛ لوجود النظر فيها ، وأمّا الاتّجاه الأوّل فلا يمكنه أن يفسّر الحكومة إلا فيما إذا كان لسانه لسان نفي الموضوع للدليل الآخر.
الفارق الثاني : أنّه على الاتّجاه الثاني يمكن تفسير حكومة أدلّة نفي الحرج والضرر على الأحكام الأوّليّة على أساس النظر فيها إلى مضمون تلك الأحكام تقديرا بحيث تقدّر وجود الحكم الضرري أو الحرجي وتنفيه.
وهكذا مثل دليل : « لا ينجّس الماء ما لا نفس له » الحاكم على أدلّة التنجيس ، فإنّه يفترض مضمون تلك الأدلّة تقديرا وينفيه عن هذا المورد ، والملاك هو النظر ، وبهذا يكون ملاك النظر جاريا في تمام أقسام الحكومة.
وأمّا بناء على الاتّجاه الأوّل القائل باشتمال الدليل الحاكم على خصوصيّة إضافيّة زائدة ، فهذا يمكن أن يفسّر به حكومة الدليل الحاكم النافي أو المثبت لموضوع الدليل المحكوم ، وأمّا حكومة أدلّة نفي الضرر والحرج ونفي التنجيس عن الماء بالنسبة لما لا نفس له فهذا لا يمكن تفسيرها على أساس الخصوصيّة الزائدة فيها ؛ لعدم اشتمالها على مطلب زائد وإضافي (١).
* * *
__________________
(١) ولكن يمكن أن يقال : إنّه على الاتجاه الأوّل يكون دليل نفي الضرر والحرج رافعا للحكم الضرري أو الحرجي ، ففيه تصرّف في أدلّة الأحكام الأوّليّة بحيث يضيّق من دائرتها فتختصّ في الأحكام التي لا توجب الضرر أو الحرج ؛ لأنّ الحكومة هنا تنفي الحكم بمعنى أنّها تضيّق الحكم في أدلّة الأحكام الأوّليّة وتصرفه عن الحكم الضرري أو الحرجي ، ولذلك كان المناط والملاك موجودا هنا أيضا.