وفي هذه الحالة إن لم تعلم وحدة الحكم فلا تعارض ، وإن علمت وحدة الحكم المدلول للخطابين وقع التعارض بين ظهور الأوّل في الإطلاق بقرينة الحكمة وظهور الثاني في احترازيّة القيود.
القسم الثاني من أقسام التقييد : ألاّ يكون دليل التقييد دالاّ على التقييد بعنوانه ، وإنّما يدلّ على ثبوت الحكم الوارد في الدليل المطلق للدليل المقيّد ، فيكونان متسانخين بلحاظ الحكم ، ولكن أحدهما يثبت الحكم للمطلق والآخر يثبته للمقيّد.
كما إذا قيل : ( أعتق رقبة ) ثمّ قيل : ( أعتق رقبة مؤمنة ) ، فهنا كلا الدليلين يثبتان الحكم وهو وجوب العتق ، ولكن أحدهما يثبته للرقبة مطلقا ، والآخر يثبته للرقبة المؤمنة ، وفي هذه الحالة تارة يكون الحكم واحدا فيهما وأخرى يكون متعدّدا.
فإن علم بتعدّد الحكم أو لم يعلم بكون الحكم واحدا فيهما فهنا لا تعارض بين الدليلين ، بل يؤخذ بهما معا ، ويكون المطلوب نحوين من العتق أحدهما عتق للرقبة مطلقا ، والآخر عتق لخصوص الرقبة المؤمنة ، وهذا معناه أنّ المكلّف يجب عليه كلا الأمرين فيعتق الرقبة المؤمنة امتثالا لدليل التقييد ويعتق الرقبة المؤمنة أو الكافرة امتثالا لدليل الإطلاق ، ولا تعارض بينهما ؛ لأنّه يمكنه امتثالهما معا في الخارج ؛ لأنّهما داخلان تحت قدرة واختيار المكلّف ، ولأنّه يمكن أن يكون الملاك بنظر الشارع متعدّدا أيضا ، بحيث تتعلّق المبادئ بعتق مطلق الرقبة ، ثمّ تتعلّق بعتق خصوص الرقبة المؤمنة ، ولا تنافي في ذلك ؛ لأنّ الرقبة المؤمنة وإن كانت داخلة تحت الحكم الأوّل وتشملها مبادئه إلا أنّها داخلة فيه بعنوانها لا بشخصها ، أي بلحاظ كونها رقبة من دون دخالة لخصوصيّة الإيمان.
وأمّا في الحكم الثاني فهي مشمولة للمبادئ فيه بلحاظ خصوصيّة الإيمان ، فلا تنافي ولا اجتماع للمثلين لاختلاف الجهة أو العنوان ؛ لأنّ مبادئ الأوّل منصبّة على الرقبة بينما مبادئ الثاني منصبّة على الإيمان.
وأمّا إن كان الحكم واحدا بحيث يعلم أنّ للشارع حكما واحدا فقط في هذا المورد ، فهنا يقع التعارض بين الدليلين لا محالة ؛ لأنّ دليل الإطلاق يدلّ على أنّ حكم الشارع متعلّق بمطلق الرقبة ، بينما دليل التقييد يدلّ على أنّ الحكم متعلّق بالرقبة المؤمنة