لأنّ الدليل الثاني الدالّ على التقييد يكون بقوّة قولنا : ( أرشدك إلى أنّ عتق الرقبة المطلوب لا يتحقّق امتثاله بالرقبة الكافرة ).
وإن كان نهيا تكليفيّا فهنا يوجد حكمان : أحدهما يأمر بالعتق مطلقا ، والآخر ينهى عن عتق الرقبة الكافرة ، فيقع التعارض بينهما ، ولكن يقدّم دليل التقييد ؛ لأنّه على فرض اتّصاله يكون هادما للظهور في الدليل الأوّل فيكون في حالة انفصاله رافعا للحجّيّة فيه ، بمعنى أنّه بقوّة قولنا : ( أعتق رقبة ولا تعتق الرقبة الكافرة ) ، فإنّه يكون قرينة متّصلة هادمة للظهور في الإطلاق ؛ لأنّه قد ذكر القيد متّصلا ، فمع كونه منفصلا يرفع حجّيّة هذا الظهور ، وهو معنى التقديم والجمع العرفي.
وبهذا يكون القسم الثالث كالقسم الثاني في تقديم دليل التقييد على دليل الإطلاق ، ولكن مع اختلاف بينهما في بعض النكات ، ولذلك قال :
وهذا القسم يختلف عن القسم السابق في أنّ التعارض هنا محقّق على أيّة حال بلا حاجة إلى افتراض من الخارج ، بخلاف القسم السابق فإنّه يحتاج إلى افتراض العلم من الخارج بوحدة الحكم.
ويتّفق القسمان في حكم التعارض بعد حصوله ، إذ يقدّم المقيّد على المطلق في كلا القسمين بنفس الملاك السابق.
الفارق بين القسمين الثاني والثالث : تقدّم في القسم الثاني أنّه إذا كان الحكم متعدّدا فلا تعارض ، وإمّا إذا كان واحدا وكانا منفصلين فيقع التعارض ، فيكون فرض الجمع العرفي بالقرينيّة النوعيّة وهي التقييد متوقّفا على العلم بوحدة الحكم من الخارج وكونهما منفصلين.
وأمّا هنا فوحدة الحكم لا نحتاج إلى إثباتها ؛ لأنّهما لمّا كانا حكمين متخالفين فسواء كان الحكم واحدا في الواقع أم متعدّدا فالتعارض واقع لا محالة فيما إذا كان النهي تكليفيّا ؛ لأنّه لا يمكن اجتماع النهي والإثبات معا سواء كانا بحكم واحد أو بحكمين ما دام الموضوع فيهما واحدا ، وهنا هكذا يقال ؛ لأنّ الرقبة الكافرة لا يمكن ثبوت الأمر والنهي عليها لا بدليل واحد ولا بدليلين.
والحاصل : أنّ القسم الثاني تتمّ فيه القرينيّة النوعيّة مع العلم بوحدة الحكم ، بينما هنا تتمّ سواء كان الحكم واحدا أم متعددا فيما إذا كان النهي تكليفيّا.