المنفصل ، فكلّ منهما ظاهر في العموم والشمول لكلّ أقسام الفقراء سواء العدول أو الفسّاق وأحدهما يثبت الحكم والآخر ينفيه ، وحيث إنّ الموضوع فيهما واحد فيقع التعارض بينهما بنحو التباين.
ولكن بمجيء الخاصّ الذي يعتبر قرينة نوعيّة مفسّرة للمراد النهائي من العامّ الأوّل سوف يكون هذا الخاصّ هادما ورافعا لحجّيّة العامّ في العموم ؛ تطبيقا للنكتة العرفيّة العقلائيّة المتقدّمة وهي أنّ كلّ ما يكون على فرض اتّصاله هادما للظهور فيكون في حالة انفصاله رافعا للحجّيّة.
وهنا دليل الخاصّ لو فرضنا اتّصاله كما في الحالة الأولى لمنع من انعقاد العامّ في عمومه ؛ لأنّه يعتبر قرينة متّصلة على الخلاف ، وعموم العامّ موقوف على عدم وجود مثل هذه القرينة فلا ينعقد العموم مع وجودها متّصلة ، وتنهدم حجّيّته في العموم مع وجودها منفصلة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه كما تقدّم في التخصيص.
وإنّما الكلام في ملاحظة النسبة بين الدليلين العامّين فهل تلحظ النسبة بينهما قبل ورود الخاصّ أو بعده؟
فإن قلنا بأنّ النسبة يجب أن تلحظ من زاوية المدلولين اللفظيّين في مرحلة الدلالة والإفادة والظهور ، فالنسبة بين العامّين هي التباين ؛ لأنّهما متساويان في الظهور والدلالة ؛ لأنّ أحدهما يدلّ على ثبوت الحكم للفقراء بكلّ أقسامهم ، والآخر ينفي هذا الحكم عن الفقراء بكلّ أقسامهم ، وليس أحدهما أخصّ من الآخر ، وهذا معنى عدم القول بانقلاب النسبة.
وأمّا إن قلنا بأنّ النسبة يجب أن تلحظ من زاوية المدلولين في مرحلة الحجّيّة ، فهنا الدليل العامّ الأوّل لا يكون حجّة في العموم لوجود المخصّص له ، وإنّما هو حجّة فيما عدا مورد الخاصّ.
وهذا معناه أنّ الدليل الأوّل حجّة في وجوب إكرام الفقراء غير الفسّاق أي العدول فقط ، وأمّا الفسّاق فقد خرجوا عن الحجّيّة بسبب الدليل الخاص.
وحينئذ تكون النسبة بين هذا الدليل والدليل الآخر هي العموم والخصوص المطلق ؛ لأنّ هذا الدليل يثبت الحكم للفقراء العدول فقط ، والآخر ينفي الحكم عن الفقراء العدول والفسّاق معا ، فيكون أخصّ منه فيخصّصه ويتقدّم عليه.