أوّلا بأنّه وقع خلط فيه بين ما هو داخل في المعارضة عمّا هو خارج عنها ، وبين ما هو ملاك القرينيّة والمناط في تقديم الخاصّ على العامّ ، فهنا مطلبان مستقلاّن :
أحدهما : مرتبط في وقوع المعارضة وعدم وقوعها ، وهذا فرع أن يكون الدليلان أو المدلولان حجّة ؛ لأنّ ما لا يكون حجّة لا يعارض ما هو حجّة ، فالمعارضة فرع الحجّيّة بين الدليلين أو المدلولين. وهذا المطلب لا شكّ فيه ، بل هو مسلّم في نفسه ومقبول.
والآخر : مرتبط بما هو ملاك القرينيّة في تقديم الخاصّ على العامّ ، وهذا مطلب موقوف على معرفة ما هو البناء العرفي والعقلائي الذي على أساسه يتقدّم الخاصّ على العامّ.
وقد ذكرنا أنّ الملاك هو الأخصّيّة ولكن هذه الأخصّيّة فيها احتمالان :
أحدهما : أن يراد بالأخصّيّة الأخصّيّة بلحاظ ما هو داخل في المعارضة.
والآخر : أن يراد بالأخصّيّة الأخصّيّة بلحاظ ما يكون أخص بحسب مدلوله.
فعلى الاحتمال الأوّل تتمّ مقالة الميرزا ؛ لأنّ ما هو داخل في المعارضة إنّما هو مقدار ما يكون حجّة فقط ، والمقدار الحجّة في العامّ الأوّل إنّما هو المقدار الذي بقي تحته بعد التخصيص ، ممّا يعني انقلاب النسبة ؛ لأنّه بعد التخصيص يصبح أخصّ مطلقا من العامّ الثاني.
بينما على الاحتمال الثاني لا تتمّ مقالة الميرزا ؛ لأنّ الأخصّيّة بحسب المدلول إنّما هي بلحاظ ما يحكي ويكشف عنه الدليل تكوينا ، وهنا العامّ الأوّل يحكي ويكشف عن العموم والشمول وإن لم يكن حجّة في ذلك بسبب وجود المخصّص ، إلا أنّ وجود المخصّص لا يسلب عن العامّ ظهوره في العموم كما تقدّم مرارا ، بل يرفع حجّيّته في ذلك فقط ، وفرق كبير بين رفع الظهور وبين رفع الحجّيّة ، والتسليم بالثاني لا يستلزم التسليم بالأوّل كما هو واضح.
وعليه ، فملاك القرينيّة يحتمل كلا هذين الأمرين ولا موجب لترجيح أحدهما على الآخر لمجرّد التسليم بالمطلب الأوّل ، وهو كون المعارضة لا تكون إلا بين ما هو حجّة ، بل لا بدّ من ترجيح أحدهما على الآخر بملاحظة البناء العرفي العقلائي ، وهذا البناء العرفي العقلائي لا يعلم أنّه يرى الأخصّيّة بلحاظ ما هو الحجّة ، بل لعلّه يراها بلحاظ ما هو المدلول والمفاد فقط.