فلا يمكن الجمع العرفي بينهما ، بل يقع التعارض المستقرّ كما إذا تعارض دليل لبّي كالإجماع أو السيرة أو الشهرة مع دليل لفظيّ كالخبر مثلا.
والآخر : أن يكون الدليلان اللذان يجمع بينهما جمعا عرفيّا صادرين من متكلّم واحد أو ما هو بحكم المتكلّم الواحد ، كما إذا كانت الجهة التي يصدر عنها الكلام واحدة ولكنّ المتكلّمون عنها متعدّدون كالأنبياء والأئمّة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فإنّهم جميعا ينطقون عن جهة واحدة وهي لسان الشارع والشريعة.
وهذا الشرط واضح ؛ لأنّ القرينيّة معناه الإعداد الشخصي أو النوعي للدليل الذي يكون مفسّرا للمراد الجدّي النهائي ، والقرينيّة لا تكون إلا من قبل المتكلّم صاحب الكلام لا من غيره.
إذ لا دخالة لمتكلّم آخر في تفسير مراد المتكلّم الأوّل إلا إذا كان وكيلا عنه في ذلك أو مفوّضا من قبله أو كانا متكلّمين عن جهة واحدة قد خوّلتهما ذلك الحقّ ، وأمّا مع فرض التعدّد فلا يمكن الجمع العرفي بين كلاميهما ، بل يقع التعارض بينهما فيما إذا كانا معا حجّة ، كما إذا قامت بيّنة على طهارة هذه الأواني وقامت أخرى على نجاسة واحد منها بعينه ، فلا يجمع بينهما بل يقع التعارض في مورد الاجتماع ويحكم بتساقطهما فيه.
٢ ـ وأيضا إنّما يصحّ الجمع العرفي إذا لم يوجد علم إجمالي بعدم صدور أحد الكلامين من الشارع ، إذ في هذه الحالة يكون التعارض في الحقيقة بين السندين لا بين الدلالتين ، والجمع العرفي علاج للتعارض بين الدلالتين لا بين السندين.
الحكم الثاني : يشترط في الجمع العرفي ألاّ يكون هناك علم إجمالي بعدم صدور أحدهما ، فإنّه إذا علم إجمالا بعدم صدور أحد الدليلين فسوف نعلم بعدم حجّيّة أحدهما غير المعيّن ، فيكون سنده ساقطا عن الاعتبار والحجّيّة ولا يمكن التعبّد به ، ومع عدم إمكان الأخذ به لا معنى للجمع العرفي بين الدلالتين ؛ لأنّ هذا متأخّر رتبة عن جواز العمل بكلا الدليلين المستلزم لحجّيّتهما معا.
فمثلا إذا علمنا بكذب الراوي في أحد الدليلين ، فهذا معناه سقوطه عن الحجّيّة فلا تشمله حجّيّة السند للعلم بعدم صدوره ، ولذلك لا يصلح للتخصيص أو التقييد أو للحكومة أو للتقدّم بالأظهريّة على الدليل الآخر ؛ لأنّ ما لا يكون حجّة في نفسه