والنسبة المصدرية في نقصها وعدم صحة السكوت عليها كالنسبة الحاصلة من إضافة الغلام إلى زيد ـ مثلا ـ بل الفرق بين معاني المصادر المجردة والمزيد فيها المتحدة في المادة ، دليل على اشتمال كل منهما على نسبة ناقصة مباينة للاخرى ، وإلا لزم أن لا يكون بينهما فرق إلا بالهيئة اللفظية فقط ؛ إذ المفروض اتحادهما في المادة اللفظية المقتضية لوحدة المعنى فتدبّر جيّدا.
وبالجملة : الاشتمال على النسبة معنى الاشتقاق المعنوي ، والمبدأ الساري (١) في جميع مراتب الاشتقاق هو المشتق منه ، وهو نفس المعنى الخالي عن جميع أنحاء النسب في حد ذاته ، فهذا الإطلاق الذاتي للمبدا هو المصحّح لأصالته وجعله مشتقّا منه ؛ فإن الاختصاص بالأصالة ـ والاشتقاق منه ـ معنى يقتضي أن يكون المشتقّ بعض المشتق منه ، مع أنّ الأمر بالعكس في بادي النظر ، فان المبدأ جزء سائر المشتقات ، لكن بعد ملاحظة لا بشرطيته وقبوله لكل صورة ـ بخلاف الموادّ المتصوّرة بصورة خاصّة ، فإنّها لا تقبل ورود صورة اخرى عليها ـ تعرف أن المبدأ أوسع دائرة من جميع المشتقات ، وأنها تنشعب منه ، وأن المصدر لاشتماله على نسبة ناقصة أحد المشتقّات المنشعبة منه ، وأنه لا يعقل أن يكون المصدر مشتقّا منه وأصلا لغيره ؛ إذ المادّة المتصوّرة لا تقبل صورة اخرى.
وحيث ان المصدر مشتمل على نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليه ، ويكون مقدما في الرتبة على غيره ، لتقدم الناقص على التام ، لزيادة التام عليه فالتحقيق في خروج المصادر مطلقا ـ مع كونها من المشتقات ـ عدم الجري لها على الذات ، وعدم اتحادها معها ، كي يكون بقاؤها موهما لصدقها. فافهم فاستقم.
__________________
(١) قولنا : ( والمبدأ الساري ... الخ ).
وهذا هو اسم المصدر ؛ إذ لا يعقل بحسب الواقع إلا المبدأ وأنحاء النسب ، وما فيه النسبة أحد المشتقات المعروفة ، فلم يبق لاسم المصدر معنى إلا نفس المبدأ.
وأما توهم : أنه الانفعال الحاصل من الفعل ، ففيه : أنه مصدر آخر من باب آخر ، لا اسم المصدر لذلك الباب. فتدبّر. ( منه عفي عنه ).