الثانية ـ قد تقرّر في مقرّه (١) : أنّ لماهيات الأشياء ـ كائنة ما كانت ـ نحو وجود في العلم الأزلي الربّاني بتبع العلم بالوجودات ، أو بتبع الصفات والأسماء ، كما لهجت به ألسنة العرفاء. غاية الأمر أنّ العلم في مرتبة الذات ، والمعلوم في المرتبة المتأخرة ؛ إذ لا يعقل أن يكون لنفس الماهية طريق في مرتبة وجود العالم ، وإلاّ لانقلب ما حيثيّة ذاته حيثيّة طرد العدم إلى ما لا يأبى عن الوجود والعدم.
الثالثة ـ أنّ سنخ الوجود ـ كما برهن عليه في محله (٢) ـ هو المجعول بالأصالة وبالذات ، والماهية مجعولة بالتبع وبالعرض ، وإلاّ فوجدان الماهية لذاتها وذاتياتها ولوازمها غير محتاج إلى جعل وتأثير ، ولا يعقل الجعل بين الشيء ونفسه ، ولا بينه وبين لوازمه.
الرابعة ـ كل ما أمكن وجوده بالذات وجب وجوده ، إلا إذا توقّف على ممتنع بالذات ؛ إذ لا نقص في طرف علة العلل من حيث المبدئية والعلية ، فلا بد من أن يكون النقص : إما في المعلول ، والمفروض إمكانه ، أو في الوسائط من الأسباب والشرائط ، والنقص المانع ليس إلاّ امتناعها الذاتي ، وإلاّ فيجري في تلك الواسطة هذا البيان. فاحتفظ به واغتنم.
إذا تمهّدت هذه المقدمات ـ وتدبّرت فيها حقّ التدبّر ـ تعرف أنّ تفاوت الماهيات الجنسية والنوعية والصنفية والشخصية ـ في أنفسها ولوازمها ـ بنفس ذواتها ، لا بجعل جاعل وتأثير مؤثر ، فمنهم شقيّ ومنهم سعيد بنفس ذاته وماهويته. وحيث كانت الماهيات موجودة في العلم الأزلي ، وطلبت بلسان حال
__________________
(١) كما جاء في الشواهد الربوبية ، المشهد الأوّل ، الشاهد الثالث ، الإشراق السادس والسابع : ٤٢ ، ٤٣. وكما جاء في تعليقة السبزواري (رحمه الله) على الشواهد : ٤٥٦.
(٢) الأسفار ١ : ٣٨ وما بعدها.