إن كان المراد ـ أنّ العلم بالحرمة الذاتية ـ التابعة للمفسدة المحرزة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ؛ قياسا بإحراز الحرمة الفعلية المؤثّرة فيما لها من المرتبة الشديدة المستتبعة لعقاب شديد على مخالفتها ـ فما ذكره ( رحمه الله ) ـ من أنّ أصالة البراءة غير جارية ـ في محلّه ؛ لأنّ المفروض كفاية إحراز الحرمة الذاتية في التأثير في الفعلية ، فكيف يجري البراءة منها؟!
والجواب عنه ما أفاده ـ رحمه الله ـ في هامش الكتاب (٢) : بأنّ إحراز الحرمة الذاتية بإحراز المفسدة إحراز للمقتضي بحسب الواقع ، وهو إنما يؤثّر مع عدم المانع ، مع أنّ المفروض إحراز الوجوب الذاتي بإحراز المصلحة المقتضية له ، ولا يعقل تأثيرهما معا في الفعلية.
وإن كان المراد ـ أنّ إحراز المفسدة إحراز المبغوضية الذاتية ، ومع احتمال الغلبة يحتمل فعلية المبغوضية التابعة للغلبة الواقعية ، لا للغلبة المحرزة ، كما مرّ سابقا ـ فما ذكره ( رحمه الله ) ـ من عدم جريان أصالة البراءة ـ لا وجه له ؛ لعدم المنافاة بين المبغوضية الفعلية وعدم الحرمة الفعلية ، وأصالة البراءة تقتضي عدم فعلية الحرمة ، لا عدم فعلية المبغوضية.
بل الصحيح : أن أصالة البراءة لا تجدي في صحّة العبادة ؛ نظرا إلى ما قدّمناه (٣) : من أن المبغوضية الفعلية تنافي المحبوبية الفعلية ، وما لم يكن محبوبا بالفعل لا يصدر قربيّا.
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٧٨ / ٧.
(٢) الكفاية : ١٧٨.
(٣) في التعليقة : ٢٠٤ من هذا الجزء.