بثبوت تقديري ، وبعده بثبوت تحقيقي ، والمنفيّ في كلامه ـ زيد في علوّ مقامه ـ هو الثاني ، لا مطلقا كي ينافي ما ذهب إليه من صحّة الاستصحاب التعليقي.
وقد مرّ منّا سابقا ، وسيجيء ـ إن شاء الله تعالى ـ في محلّه أنّ تمام ما بيد المولى ـ في مقام البعث والزجر ـ هو الإنشاء بداعي جعل الداعي ، وأما اتصافه بكونه باعثا أو زاجرا بمعنى ما يمكن أن يكون كذلك ، فهو غير مقوّم لحقيقة الحكم الذي بيد المولى إيجاده ، فتوقّف اتّصافه على وصوله عقلا أو على قيد اخذ فيه شرعا وإن كان موجبا لترقّي الحكم من درجة الإنشاء إلى درجة الفعلية ، إلا أنه أمر خارج عما كان أمره بيد المولى ، والغرض دفع توهم : أن هذا المعنى الانشائي المنطبق عليه البعث التقديري ، ليس من الحكم الشرعي في شيء ، وأنه لا ثبوت للحكم بأيّ معنى كان.
قد عرفت في أوائل التعليقة (٢) : أن المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية مع أن وضعها عام والموضوع لها خاص ، إلا أنّ معانيها غير جزئية عينية ولا ذهنية ، بل جزئيتها وخصوصيتها بتقوّمها بطرفيها ، كما أنها غير كلية بمعنى صدقها على كثيرين لأنها لا جامع ذاتي لها حتى يصدق على أفرادها.
نعم كليتها بمعنى قبولها لوجودات لا محذور فيها ؛ لأنّ القدر المسلّم من خصوصيتها هي الخصوصية الناشئة من التقوّم بطرفيها فقط ، لكنه مع هذا كله لا مانع من تقييدها بمعنى أنّ البعث الملحوظ نسبة بين أطرافها من الباعث
__________________
(١) كفاية الاصول : ٩٧ / ١.
(٢) وذلك في التعليقة : ١٨.