بلازم التشبيه ، ومع ذلك فللسكاكي الفضل ولا نبخسه حقّه ولا ننكر سبقه ، فله حسن الاختراع ، ولنا حسن الاتّباع.
ولعمري أنّ علماء البيان لم ينصفوا السكاكي في هذا المقام حيث أنكروا عليه هذا الادّعاء ، ثم جعلوه محورا يدور عليه معظم أحكامهم في بحث الاستعارة ، فمنعوها في الأعلام معلّلين ذلك بأنها تقتضي إدخال المشبّه في جنس المشبّه به ، ولا يمكن ذلك في العلم لمنافاته الجنسيّة.
وربّما قالوا بمقالته بعينها مع تغيير اللفظ كقولهم : إن الاستعارة يفارق الكذب بأنها مبنية على التأويل بدعوى دخول المشبّه في جنس المشبّه به ، ولا معنى لهذا التأويل إلاّ أن يؤول إلى ذلك.
وربّما صرّحوا به بلفظه كقولهم : والشرط في حسن الاستعارة أن لا يشمّ رائحة التشبيه لفظا لأن ذلك يبطل الغرض من الاستعارة أعني ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتتبّع الماهر ، ولا تنس قولهم : إنّ الاستعارة مبنية على تناسي التشبيه ، وتأمّل في معنى التناسي أوّلا ، ثم في السبب الداعي إليه ، إلاّ أن يقال : إنّ المحقّقين منهم لم ينكروا الادّعاء الّذي يدّعيه ، وإنما أنكروا عليه خروجه بذلك عن المجازيّة.
( فصل )
ولا نكترث بأن تسمّي ما ذكرناه إنكارا للمجاز أصلا ، ولا نتحاشى عنه بعد ما ذهب إليه الأسفرائيني من المتقدّمين وإمام العربية غير مدافع عنه ولا مختلف فيه أعني الشيخ أبا علي الفارسي (١) ، ولكن ينبغي أن تعلم أنه كما يصح
__________________
(١) هو الفاضل الأقدم ، والإمام الأعظم حسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان المكنّى بـ ( أبي علي ) المشتهر بهذه الكنية : الفارسي ، النحوي الشيعي المشهور ، المتولّد سنة ٢٨٨ ، المتوفى سنة ٣٧٧ ، وكان عمره ٨٩ سنة. ( مجد الدين ).