على السطح ، فلم يملك نفسه حتى شرع بالعتاب وهو واقف بعد على الباب ، وقال : « ما هذا الّذي ينقل عنك ويعزى إليك؟ » فقلت : « نعم وقد أصبت الواقع وصدق الناقل » فقال : « إذا قلت في شجاع إنه أسد فهل له ذنب؟ » فقلت له مداعبا : « تقوله في مقام المدح ولا خير في أسد أبتر » ثم صعد إليّ ، وبعد ما أسمعني أمضّ (١) الملام ألقيت عليه طرفا من هذا الكلام ، فقبله طبعه السليم وذهنه المستقيم ، فقال : « هذا حق لا معدل عنه ولا شك فيه » ثم كتب في ذلك رسالة سمّاها ( فصل القضاء في الانتصار للرضا ) ومن ذلك اشتهر القول به ، وقبلته الأذهان الصافية ، ورفضته الأفهام السقيمة.
ومن يك ذا فم مرّ مريض |
|
يجد مر به العذب الزلالا (٢) |
وأنت إذا تصفّحت كتب المحقّقين كالفصول وهداية المسترشدين وجدت هذا المعنى مرتكزا في أذهانهم ، ولكن تقريره بواضح البيان وإثباته بقائم الحجة والبرهان كان مدّخرا لنا في حقيبة (٣) الزمان.
( فصل )
وكأنّي بك وقد زعمت أني قد أطنبت فمللت ، ولم تدر أني قد سهلت لك الوعر (٤) ، وأوضحت لك الطريق ، وأرحتك عن تلك التطويلات المملّة التي ذكروها في تعداد العلائق المجوّزة لاستعمال المجاز ، وما تجده في المفصّلات من علائمها وعلائم الحقيقة ، وعن الدور والجواب عنه بالإجمال والتفصيل ، وعن البحث في موارد كلّ من قاعدتي أصالة الحقيقة ، وأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة
__________________
(١) المضّ : الحرقة. لسان العرب ٧ : ٢٣٣.
(٢) البيت من قصيدة لأبي الطيب المتنبي. ( ديوان المتنبي ٣ : ٢٢٨ ) وفيه : الماء ، بدل العذب.
(٣) بالفارسيّة : خورجين. ( مجد الدين ).
(٤) الوعر : ضد السهل. القاموس المحيط ٢ : ١٥٤ ( وعر ).