والمجاز إلى غير ذلك من المباحث الكثيرة المبتنية على ثبوت المجاز بالمعنى المعروف.
وأما علائق المجاز فإنما يهمّ أمرها من يزعم أنه استعمال في غير ما وضعه الواضع ، فيطلب مواضع الرخصة ، أو يلتمس عذرا عن مخالفته ، ومندوحة عن الاحتياج إلى وضعه.
وبما عرّفناك ظهر أنه استعمال فيما وضعه الواضع ، ومطابق للغرض الداعي إلى الوضع ، ولا يحتاج فيه إلاّ إلى نكتة محسّنة للاستعمال ، وبدونها لا يكون غلطا بل قبيحا إذا لم يكن عن جهل أو خطأ ، والنكات المحسّنة لا حصر لها ، والموارد تختلف اختلافا شديدا ، هذه علاقة التشبيه وهي من أشهرها وأحسنها ، ترى الاستعارة بها حسنة في مورد خشنة في آخر ، يقبلها الطبع تارة ، وينبو عنها أخرى ، وربّما لا تكون علاقة أصلا أو كانت ولم تكن كافية ، فبالاستعمال والتكرار تقوى العلاقة ويزاح الاستهجان ، حتى أنّ عمّي العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ عدّ من العلائق علاقة الاستعمال ، وقال : « لم أقف على من تنبّه له » (١) فراجع كلامه إن شئت ، تجده قد أحسن فيه ما شاء.
وكثيرا ما كنت أقول لإخواني الأدباء من أهل العراق : إن أقلّ ما يجب على من اخترع استعارة هذين الحيوانين القبيحين ـ أعني العقرب والحية ـ للأصداغ والشعور ألف سوط ، ولكنهما الآن كأنهما من الأصول الموضوعة في الصناعة ومن أحسن التشبيه ، وربّما لم تكن بين المعنيين علاقة أصلا ، فيحسّن الاستعمال وقوع لفظ آخر قبله أو بعده كما في علاقة المشاكلة ، وقد يعبّر عنها بعلاقة المجاورة ، وهذه العلاقة مما أعيا علماء البيان والأصول أمرها ، وأكثروا من الكلام عليها.
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٢٥.