الله تعالى ، وقد نسبت إلى الآيات والزمان والأرض ، وذبح الأبناء من فعل جيش فرعون وقد نسب إليه (١).
أقول : ليس في جميع هذه الأمثلة وأمثالها إسناد إلى غير ما هو له حتى يلزم هذا المجاز ، بل الإسناد فيها إلى ما هو له حقيقة ، ولكن الاختلاف في جهات الإسناد وأقسامه ، ولكلّ انتساب إلى الفعل حقيقة ولكن بجهة تخالف جهة الآخر ، فإذا أساء الأدب رجل بحضرة الملك ، فأمر الشرطي بقتله فضرب رقبته بالسيف ، فلهذا القتل استناد إلى كلّ من الملك والشرطي والسيف وسوء الأدب ، فيصحّ أن يقال : قتله الملك ، وقتله الشرطي ، وقتله السيف ، وقتله سوء أدبه ، وكلّ جهة من هذه الجهات نسبة حقيقية ، وليست إحدى تلك الجهات أحقّ من غيرها بالحقيقة ، فتخصيص إحداها بها حيف في الحكم ، وترجيح بلا مرجّح ، بل قد يسند الفعل إلى الله تعالى ، لأنه يقع بعلمه وإرادته وقضائه ومشيئته.
وكذا الحال في قول القائل : أنبت الله البقل ، أو أنبت الربيع البقل ، فكلّ من نسبتي الإنبات نسبة حقيقية من غير فرق بين صدوره من المؤمن أو المعطّل ، وإنما الفرق خطأ المعطّل في تعطيله الجهة الإلهيّة ، وزعمه أنّ نسبة الخلق والإيجاد إلى الربيع.
وكما تصح النسبة الحقيقية إلى الربيع كذلك تصحّ نسبة الإنبات إلى الماء والتراب والزارع والآمر به ، ولقد خالطت هذا لخبط نزغات أشعرية ، ومزج لقواعد العربية بدقائق مسائل كلاميّة.
فقالوا في مثل قول القائل : سرّتني رؤيتك ، إنّ المعنى سرّني الله عند رؤيتك ، وفي قول الشاعر :
يزيدك وجهه حسنا |
|
إذا ما زدته نظرا |
__________________
(١) أي إلى فرعون.