إنّ المعنى يزيدك الله حسنا في وجهه لما أودعه فيه من دقائق الحسن والجمال ، وقالوا بمثل ذلك في الآيات السابقة لزعمهم أنّ زيادة الإيمان ، وجعل الولدان شيبا ، وإخراج أثقال الأرض من فعل الله سبحانه ، وقد نسبت إلى الآيات والزمان والأرض ، وحكموا في قولهم : أنبت الربيع البقل. بالتفصيل بين أن يكون القائل مؤمنا أو معطّلا ـ كما سبق ـ وتوقّفوا في قول الشاعر :
أشاب الصغير وأفنى الكبير |
|
كرّ الغداة ومرّ العشيّ |
حتى يعلم معتقد القائل ، فهو مجاز عقلي إن علم أو ظنّ أنّ قائله لم يعتقد ظاهره ، وما دعاهم إلى هذه التكلّفات إلاّ زعمهم أنّ نسبة التأثير في الوجود إلى غيره تعالى ينافي التوحيد ، ولو بني على هذا الاعتقاد وعلى منافاته للقواعد اللفظيّة ، لم تبق نسبة حقيقية بين موضوع ومحمول قطّ إلاّ ما شذّ.
ولكن عهدي بأهل التحقيق منهم وهم يفرّقون بين الخالق للفعل وبين من نسب الفعل إليه.
وإذا اعترض عليهم خصمهم بأنّ لازم معتقدكم صحة اشتقاق اسم الفاعل من الزنا والسرقة لله ـ تعالى الله عن ذلك ـ أجابوا بأنّ الفاعل العبد وهو ـ سبحانه ـ خالق لفعل العبد ، فهلا جروا على هذه السنّة وقالوا : إن الله تعالى خالق زيادة الحسن ، وتركوا نسبتها إلى الوجه على حالها ، ولم يخلقوا بهذا الاختلاق ديباجة حسنة ، إذ نسبة زيادة الحسن إلى الوجه هي الوجه في زيادة حسن البيت ، وما هذا التأويل البارد سوى معول يهدم به بنيان حسنه وأساس رونقه ، وهب تأتي لهم هذا التكلّف في قوله : أشاب الصغير ( البيت ) والقول بأنّ المراد أشاب الله هذا ، وأفنى ذاك ، فما ذا يكون قولهم في مثل « فلان خانه الدهر » و « غدر به الزمان » و « ظلمته الأيام » فهل يحكم بالغلط في هذه الاستعمالات أديب أو يتجاسر على أن يفوه بتلك المقالة من له من الدين أقلّ نصيب؟.
وقد أنكر السكاكي هذا النوع من المجاز ، وجعله من قبيل الاستعارة