فافعل كذا ، وبين قوله : افعل كذا في وقت كذا » (١) إلى اخر كلامه.
وهذا الفاضل كما ترى قد استراح من حيث تعب غيره.
ومنها : أنّ كلّ قيد يفرض للمأمور به لا يخلو من أن يكون داخلا في حيّز الإرادة ولازما تحصيله ، أو خارجا عنها ، والأول هو المطلق ، والثاني هو المشروط ، ولا يعقل لهما ثالث كي يثلّث به القسمان ، وقد سبق بيانه في بحث أقسام الواجب.
ولا يخفى على المتأمل أنّ هذا الاعتراض إنما يتّجه على صاحب الفصول لو كان المعلّق عنده قسيما للقسمين لا قسما لأحدهما وليس كذلك ، بل هو قسم للواجب المطلق ، كما صرّح به فيما مرّ من كلامه وفيما حذفناه منه ، فكيف يورد عليه مثل ذلك ، ويقال : إنّ الواجب عنده ينقسم إلى ثلاثة أقسام : مطلق ، ومشروط ، ومعلّق!؟.
وهل هذا الاعتراض إلاّ كالاعتراض على من قال بأنّ الموجود ينقسم إلى واجب وممكن ، والثاني إلى جوهر وعرض بأنه لا يتصوّر قسم ثالث للواجب والممكن وينعى عليه بأنك جعلت الأقسام ثلاثة؟.
ومن الطريف أنّ المعترضين بهذا الاعتراض هم المجيبون عن الإشكال بالجواب الثاني ، وأنت إذا نضيت (٢) عن المعاني ثياب الألفاظ وجدته في غاية القرب إلى الواجب المعلّق ، بل وجدته عبارة أخرى.
بيانه : أنّ الوجوب كسائر الأحكام لا يعقل فيه ـ بحسب ذاته ـ معنى لتقدّمه على الوقت ، ولا لمقارنته معه ، والمعنى المعقول أن يلاحظ بالنسبة إلى لزوم تحصيل مقدّمات الفعل قبل الوقت وعدم لزومه ، فما وجب فيه منهما قبل الوقت ، عبّر عنه بتقدّم الوجوب على وقت الفعل ، وما لم يجب فيه عبّر عنه بمقارنته معه.
وهذا المعنى الّذي لا يتصوّر غيره عبّر عنه صاحب الفصول بتعلّق
__________________
(١) مطارح الأنظار : ٥١ ـ ٥٢.
(٢) نضا ثوبه. أي : خلعه. الصحاح ٦ : ٢٥١١ ( نضا ).