وتقع بين مختلفات الآراء والعبارات ما تنزع عن العثرة ، ويقيه في مظانّ الزلّة (١).
ولذلك أقول : لو نهيت عبدك عن السباحة مخافة الغرق عليه فخالف وبعد عن سيف (٢) البحر حتى وصل قبّته أتراك لا تأمره بالخروج وتطلب منه الرجوع ، ويمنعك عنهما هذه العبارات الفارغة ، فتقول : لا يمكنني الأمر به لأني نهيته عنها ، مخالف باختياره ، ولو لا مخالفته اختيارا لأمرته؟
ثم انظر إلى الأمر الّذي توجّهه إليه ، هل هو إرشاد حكم العقل ، وبيان لأقلّ المحذورين قائلا له : إني أقرّر لك حكم العقل بأنّ حركتك نحو الشاطئ أهون من بقائك فيه أو بعدك عنه ، وهو أمر يعرفه العبد ، ولست بأعلم منه به ، أم هو أمر مولوي يشتمل على أحسن الوعد على الفعل ، وأشدّ الوعيد على الترك؟
وربما جعلت عفوك عن مخالفته أولا جزاء لإطاعته ثانيا ، ومحوت تلك السيّئة بهذه الحسنة.
ولا ترى فرقا في الأمر ومقدّماته بين كون الدخول اختيارا أو اضطرارا.
ولو أخرجته بنفسك أو أخرجه غيره ألست معاقبا له على الدخول أولا ، وعدم الخروج ثانيا؟
ولو حاكمك لدى قاضي الوجدان قائلا : إن المولى ليس له إلاّ أن يعاقبني على مخالفة النهي لا على ترك الخروج لأني خالفته في النهي اختيارا ، وتلا صفحة من كفاية الأستاذ ، أترى الوجدان يقبل ذلك منه ، ويحكم له عليك؟ حاشا!.
__________________
(١) وما أحسن ما قاله صاحب الفصول في بحث المفاهيم : « إنّ من يجعل تفاصيل فكره تابعة لمجملات وجدانه أقرب إلى الصواب ممّن يتزاول التفصيل ، ولا يلتفت إلى المجملات ، أو يجعلها تابعة للتفاصيل » ( منه ).
وانظر الفصول الغروية : ١٤٨.
(٢) سيف البحر بكسر السين : ساحل البحر. مجمع البحرين ٥ : ٧٤ ( سيف ).