بل نفعه الفاضل المقرّر من حيث قدر أنه يضرّه لأن تغيّر الحكم بتغير العنوان هو الّذي ذهب به إلى سقوط النهي ، وحدوث الأمر بالخروج ، فصار الحرام واجبا بانطباق عنوان التخلّص عليه.
وفي آخرها خلط بين قسمي الترتيب الطبيعي في الوجود ، لأنّ منه ما لا يحتاج الذهن إلى تصوّر ما سبقه في الوجود ، ومنه ما لا يتصوّر إلاّ بتصوّره. وما ذكره إنّما يتم في مثل البسر والرطب ، والحصرم (١) والعنب ، لا في مثل الربح والخسارة الذين لا يوجدان في الذهن إلاّ بعد فرض التجارة ، والخروج من القسم الثاني ، إذ الترتيب الطبيعي موجود بينه وبين الدخول ذهنا وخارجا.
وهذا الخلط هو الّذي ولّد عدّة أغلاط ، وصار أساسا لعدّة اعتراضات ، وترتّب عليه الخطأ في قول هذا الفاضل بعد هذه الجملة :
« وإذ قد عرفت ذلك ، نقول : إنّ الحركات الواقعة في ملك الغير ، تارة تكون معنونة بعنوان الغصب ، وأخرى بعنوان التخلّص عن الغصب ، فعلى الأول يكون الأمر المعلوم المتصوّر عند الآمر هو الغصب فيلحقه الطلب على وجه النهي عنه ، وعلى الثاني يكون المتصوّر عنده هو التخلّص ، فيلحقه طلبه على وجه الأمر به من غير مداخلة لأحد العنوانين في الآخر ، فالغصب مبغوض دائما ، والتخلّص مطلوب من غير فرق بين قبل الدخول وبعده ، فلو فرضنا لحوق حكم النهي به يلزم أن يكون موضوع التخلّص طاعة ومعصية وهو محال » (٢).
هذه الجملة أيضا كسابقتها في الوضوح ، وعدم تضرّر مقالة الفصول بها ، لكن فيها مغالطة خفيّة يترتب عليها أغلاط جلية ، وهي جعله فيها التخلّص عنوانا في عرض الغصب ، مع أن مرتبة الغصبيّة محفوظة حتى مع عنوان التخلّص بل هو فرد منها ، لكنّه أقلّ قبحا ، كما يقوله في كلامه الآتي نقله ، أو غصب اضطرّ
__________________
(١) الحصرم : أول العنب ما دام حامضا. مجمع البحرين ٦ : ٤١ ( حصرم ).
(٢) مطارح الأنظار : ١٥٥.