( القطع الطريقي المحض ـ حجّيته )
لا ريب في حجّية القطع بنفسه وعدم إمكان الردع عنه فيما للمقطوع به من الآثار الذاتيّة مطلقا ، بمعنى ترتّبها عليه من غير حاجة إلى جعل جاعل فلا يتوقف القاطع عن ترتيبها عليه إلى أن يضعها له واضع ولا يصغى في مخالفته إذا وزعه (١) وازع ، فمن رأي حيوانا قطع بأنه أسد ، وقطع معه بأنه يفترس الإنسان ، فلا شك في حصول الخوف له ، وارتعاد فرائصه منه ، وتطلّبه معقلا يلتجأ إليه يمنعه عنه ، كلّ ذلك بمجرّد حصول القطع له من غير حاجة له إلى من يجعل قطعه حجّة عليه ، بل ولا يعقل جعله حجّة له ، ولا يمكن ردعه عن ترتيب هذه الآثار إلاّ بإزالة قطعه عن أحد الأمرين.
وعليه فقس سائر الآثار النفسيّة من الحبّ ، والبغض ، والفرح ، والحزن ، فإنّ الإنسان بمجرّد حصوله له يندفع إلى المحبوب ، ويمتنع عن المبغوض ، وتبرق أسرّة (٢) وجهه فرحا ، ويضيق صدره ترحا (٣) ، كل ذلك من الواضحات التي يستدلّ بها لا عليها ، وما بطلان الدور والتسلسل الّذين يستدلّ بهما عليه أوضح بطلانا من بطلان احتياج القطع إلى جاعل يجعله بل الظن الّذي هو دونه في الكشف لا يمكن جعله ولا الردع عنه بمقدار ما له من الكشف ، ولا بدّ أن يترتب عليه آثاره الذاتيّة ، فإذا كان العاقل يتجنّب الضرر المظنون ، ويأتي بما يظن النّفع فيه ، فبمجرّد حصول الظن بأحدهما يمتنع عن ذاك ، ويأتي بهذا من غير احتياج إلى
__________________
(١) وزعته : كففته. الصحاح ٣ : ١٢٩٧ ( وزع ).
(٢) أسرّة جمع ، وأحدها سرّ أو سرر : الخطوط التي في الجبهة. الصحاح ٢ : ٦٨٣ ، النهاية لابن الأثير ٢ : ٣٥٩ ( سرر ).
(٣) الترح ضدّ الفرح. الصحاح ١ : ٣٥٧ ( ترح ).