لا يخلو من تأمل ، إلاّ أن يكون المراد : أنّ الحكم للواقع فقط ، لكن بقيد الانكشاف ، كما كان يعبّر السيد الأستاذ (١) طاب ثراه.
( ما تقوم الأمارات مقام القطع من هذه الأقسام )
أقصى ما تدلّ عليه أدلّة اعتبار الطرق والأمارات تنزيل الكاشف الناقص منزلة الكاشف التام ، أو تنزيل المنكشف بها منزلة المنكشف به ، أو تدلّ على كونها طريقا تعبديّا إلى واقع تعبّدي ، إلى غير ذلك من العبارات المؤدّية إلى معنى واحد فهي ـ إذن ـ مقصورة على ملاحظة القطع باعتبار كشفه عن الواقع ، فتقوم مقام الطريقي المحض ، ولا تقوم مقام الموضوعي المحض الّذي لم يلحظ فيه جهة الكشف أصلا ، وتنزيل غيره منزلته وإن كان ممكنا ، ولكنه يكون على نحو إعطاء حكم موضوع لموضوع آخر كقوله عليه السلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) (٢) وأين هذا من أدلّة حجّية الطرق التي لا مفاد لها إلاّ إثبات الحكم لمتعلّقها لا لموضوع آخر؟
وأما الطريقي الموضوعي ، أعني المأخوذ على جهة الكشف ، فلا مانع من قيامها مقامه ، على ما صرّح به الشيخ (٣) ، وأورد عليه في ( الحاشية ) بأنّ ذلك يوجب الجمع بين اللحاظين : الآلي والاستقلالي (٤) ، وبيّنه في ( الكفاية ) بقوله :
« إنّ الدليل الدالّ على إلغاء احتمال الخلاف لا يكاد يكفي إلاّ بأحد التنزيلين حيث لا بدّ في كلّ تنزيل منهما من لحاظ المنزّل والمنزّل عليه ، ولحاظهما في أحدهما آلي ، وفي الآخر استقلالي ، بداهة أنّ النّظر في حجيّته وتنزيله منزلة
__________________
(١) هو السيد محمد الفشاركي قدس سرّه.
(٢) سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٥ و ٨٧ ، كنز العمال ٥ : ٤٩ ـ ١٢٠٠٢.
(٣) فرائد الأصول : ٤.
(٤) حاشية فرائد الأصول : ٧.