ومن رام إحداث ثلمة في هذا البنيان الرفيع فلا سبيل له إلاّ المناقشة فيهما ، فشأنه وذلك إن شاء ولكن بعد أن يعلم أنّه يصادم حسّه ويكابر نفسه ، فقد علم كلّ من له أدنى إلمام بالعلم أنّ الشيعة ـ أعلى الله كلمتهم ـ ما زالوا من زمن أئمتهم عليهم السلام إلى اليوم يعملون بالروايات الواردة عن المعصومين في الجملة ، ولا تجد أحدا يتمسّك في شيء من أحكام الدين بمجرّد الظنّ والتخمين.
أتظنّ منتميا إلى هذا المذهب يصبح مفتيا بهدر دم مسلم أو إباحة .... محصنة ، فإذا سئل عن مستنده في فتياه أسنده إلى ظنّ حصل له من الرؤيا؟ وذمام (١) العلم وحرمة الفضل لا يصدر هذا من متمسّك بحبل أهل البيت أبدا ، حتى من لاك (٢) لسانه بمطلق الظنّ.
هذا أحد أعلام الفقه ، وحامل عرش الظنّ المطلق ، الفاضل القمي ، إذا تصفّحت كتابه « جامع الشتات » من أول الطهارة إلى آخر الدّيات لا تجد فيه استنادا إلى غير الكتاب والسنّة وما يؤول إليهما قط ، ولا ترى أقل اختلاف بينه وبين سائر أئمة المذهب في طريق الاستنباط.
ولقد أصاب صاحب الفصول حيث قال في أثناء كلامه : « حتى أنّ القائلين بحجّية الظنّ المطلق كبعض متأخري المتأخّرين ، لا تراهم يتعدّون في مقام العمل عن هذه الأمارات إلى غيرها وإن لم يستفد لهم ظنّ فعلي بمؤدّاها » (٣).
صدق ـ والله ـ وبرّ ، لا تجد غير مطعون في طريقته يترك آثار أهل البيت بغير طعن في أسانيدها ، وإجمال في متونها ، أو معارض لمؤدّياتها.
ومن ذلك كلّه يظهر لك وجه النّظر فيما كرّره الشيخ الأعظم من المناقشة
__________________
(١) الذمام : الحرمة. القاموس المحيط ٤ : ١١٧ ، الصحاح ٥ : ١٩٢٦ « ذمم »
(٢) اللوك : إدارة الشيء في الفم ومضغة. مجمع البحرين ٥ : ٢٨٧ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٢٨ « لوك ».
(٣) الفصول الغرويّة : ٢٧٨.