قصد الإطاعة والامتثال كان مجرّد كلّ منهما مسقطا للأمرين من دون امتثال ، وأمّا الامتثال للأمر بهما فلا يحصل إلاّ مع العلم.
ثم إنّ هذين الأمرين مع التمكن من امتثالهما يكون المكلّف مخيّرا في امتثال أيّهما ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر بين تحصيل العلم بالواقع فيتعيّن عليه ، وينتفي موضع الأمر الآخر ، إذ المفروض كونه ظاهريّا قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع ، وبين ترك تحصيل الواقع وامتثال الأمر الظاهري ، هذا مع التمكن من امتثالهما.
وأمّا لو تعذّر عليه امتثال أحدهما تعيّن امتثال الآخر ، كما لو عجز عن تحصيل العلم بالواقع ، وتمكّن من سلوك الطريق المقرّر لكونه معلوما له ، أو انعكس الأمر ، بأن تمكّن من العلم وانسدّ عليه باب سلوك الطريق المقرّر لعدم العلم به ، ولو عجز عنهما معا قام الظنّ بهما مقام العلم بهما بحكم العقل ، فترجيح الظنّ بسلوك الطريق على الظنّ بسلوك الواقع لم يعلم وجهه ، بل الظنّ بالواقع أولى في مقام الامتثال لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل والنقل بأولويّة إحراز الواقع.
هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكن من العلم.
وأمّا إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم فهو أيضا كذلك ضرورة أنّ القائم مقام تحصيل العلم الموجب للإطاعة الواقعيّة عند تعذّره هي الإطاعة الظاهريّة المتوقّفة على العلم بسلوك الطريق المجعول لا على مجرّد سلوكه.
والحاصل : أنّ سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذّر العلم في مقابل العمل بالواقع ، فكما أنّ العمل بالواقع مع قطع النّظر عن العلم لا يوجب امتثالا ، وإنّما يوجب فراغ الذّمّة من المأمور به واقعا لو لم يؤخذ فيه تحقّقه على وجه الامتثال ، فكذلك سلوك الطريق المجعول ، فكلّ منهما موجب لبراءة الذمّة