وأما الوجه الأول ، فقد عرفت مفصّلا مراد ( الفصول ) من الطريق المنصوب وأنّه أعمّ من الجعل والتقرير ولو بعدم الردع ، وكلام والده العلاّمة مبني عليه ، بل لم يذكر هذه الوجوه إلاّ لإثباته ، وتعرف قريبا الوجه في عدّه العلم من الطرق المقرّرة.
وقبل النّظر فيما أفاده الشيخ الأعظم لا بدّ من التنبيه على أمور :
الأول : قد عرفت مما صدّرنا به البحث من نقل كلام صاحب الهداية أنّ محلّ الخلاف أنّ الحجّة بعد انسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة والطرق القطعية هل هي ظنّ المجتهد من أيّ طريق حصل ، أو أنّ هناك طرقا مخصوصة ، ويعبّر عن الأول بالظن المطلق ، وعن الثاني بالظن الخاصّ ، وأنّ من لا يرى خصوصية لقسم من الظن أو الطرق المؤدية إليها ، ويستدلّ عليه بدليل الانسداد المشهور فهو قائل بالأول ، ومن يرى خصوصية لقسم منه أو لطريق إليها فهو قائل بالثاني.
وعرفت أيضا أنّ هذا الإمام وأخاه العلاّمة يذهبان إلى الثاني والحجّة عندهما خصوص الكتاب والسنّة وما يؤول إليهما ، وهما من ألدّ خصوم الظن المطلق ، وقد ذكر كلّ منهما الدليل المشهور ، وبالغ في الردّ عليه ، وجميع ذلك قد اتّضح ممّا تقدّم ، فلا حاجة بنا إلى تكراره ، ويزيد وضوحا بما يأتي ـ إن شاء الله ـ ونذكرك هنا بما أسلفناه : أنّ عدّهما من المخالفين في عموم نتيجة دليل الانسداد أمر سبق إليه قلم الشيخ ـ طاب ثراه ـ وتبعه فيه عامّة من تأخّر عنه ، وأنّ من الواضح المصرّح به في كلام صاحب الهداية والظاهر من كلام أخيه هو التعميم بناء على الظنّ المطلق.
الثاني : مختار هذا الإمام وجود الدليل القاطع على حجّية الظنون الخاصة ، والمدارك المخصوصة ، كما صرّح به في الوجه الأخير من الوجوه الثمانية ، فقال : « وقد دلّ على أنّ هناك طريقا خاصّا مقرّرا من صاحب الشريعة لاستنباط الأحكام الشرعية لا يجوز التعدّي عنه في الحكم والإفتاء ما دام التمكّن منه