يكاد أن يربو على ألفاظها الأصلية ، وتكثر في العربية المعرّب والدخيل.
ثم إنّ الصنائع المخترعة والمكتشفات الجديدة تستدعي بالطبع وضع الألفاظ المولدة ، كما أنّ توسعة نطاق العلوم توجب جعل الاصطلاحات العلميّة فتحدث في اللغة ألفاظا كثيرة لا عهد لأربابها الأقدمين بها ، ولا شك أنّ أحد الكتب المصنّفة في الحكمة أو الأصولين لو عرض على عرب زمان الجاهلية لزعمته من الرطانة الهنديّة أو اليونانيّة.
وبالجملة كلّما كثرت الألفاظ التي تستعمل على نحو من التوسعة يعود وضعا تعيّنيّا للمستعمل فيه ، والتي تستعمل على سبيل التحريف فتكون لغة أصلية كأكثر أمثلة الاشتقاق الكبير والأكبر ولغيرهما من أسباب كثيرة يد قوية في حصول التباينات بين المتقاربة من اللغات ، وهذا المقام يتحمل بحثا طويلا نكله إلى تتبّع الناظر وتأمّله ، وإنما غرضنا الإشارة لا التفصيل ، هذا.
وأما قوله تعالى (١) : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ )(٢) فلا ينافي ما قلناه ، إذ لم يظهر المراد من الأسماء ، وأنها هل كانت من قبيل اللغات أو غيرها ، وفي تفاسير أهل البيت عليهم السلام ما يدلّ على الثاني وعلى الأول ، فلا يعلم بأيّ لغة كانت ، فلعلّها كانت بغير لغات البشر ، أو ببعض أصولها المجهولة ، والله العالم.
__________________
(١) هذا جواب عن احتجاج القائلين بأن الواضع هو الله تعالى ، والاحتجاج ما ذكره في الفصول وغيره ، وهو قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ).
ووجه الدلالة : أنّ المراد بالأسماء إمّا معناها الأصلي أعني العلامات ، فيتأوّل الألفاظ لكونها علامة لمعانيها ، والتعليم فرع الوضع ، أو معانيها العرفي أعني ما يقابل الأفعال والحروف ، فيدلّ على وضعه لها بتقريب ما مرّ ، وعلى وضعه لهما لتعسّر أداء المراد بها بدونهما غالبا ، ولعدم قائل بالفصل ، فتدبّر. ( مجد الدين ).
(٢) البقرة : ٣١.