الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ، ثم أنزل الله عليه : يا محمد « قل إنما أنا بشر مثلكم » يعني آكل الطعام « يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد » يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ، ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم؟ كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض البشر ، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأما قولك : هذا ملك الروم وملك الفرس لايبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده ، فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود ، ياعبدالله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ، ويكد نفسه في ذلك آناء ليله و نهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أليس كانت الرسالة تضيع والامور تتباطأ؟ أوما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد و القبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون؟ يا عبدالله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله. لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ، ثم يظفرني الله ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأما قولك : ولو كنت نبيا لكان معك
ملك يصدقك
ونشاهده ، بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا ،
فالملك لا تشاهده حواسكم ، لانه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه
بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لانه إنما كان
يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق؟ بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على