فروض الكفاية (١).
أما المذاهب المسلمة التي حرمت أنفسها فضل هذه النعمة ، وسدت عنها باب هذه الرحمة ، أما اهل هذه المذاهب فلا يفتأون يتعلقون بأذيال سياسة زمنية قديمة كان من رأيها ان تحصر الافتاء في رجال ، وان تحشر الناس الى آراء ، فخصصت موارد الفتوى ، واقفلت باب الاجتهاد ، ثم انتهى عمر هذه السياسة ولم ينته أمد هذا الرأي.
وقد لاحت في الآونة الأخيرة بوادر دعوة جديدة الى حل هذا الوثاق القديم ، وهي ـ بعد ـ لم تبرح فكرة فتية لها مؤيدون من رجال الدين ، ولها معارضون ، وأمل المسلمين كبير أن يدركهم اليوم الذي يكسر فيه القيد وتجنى فيه ثمار الفكر الحر.
وبعد كل هذا الذي قدمناه فهل يرتاب منصف في مرونة الإسلام وفي انسجامه مع طبائع الأشياء ؟ وهل يحتاج في تفسير مرونته الى اقاويل هؤلاء الذين أملى عليهم مالا يفهمون ، وعرضهم التطفل لما
__________________
١ ـ الفرض الكفائي ماوجب على جميع المكلفين أو على جماعة منهم ، ثم كان الامتثال ولو من بعضهم سببا لسقوط التكليف عنهم جميعاً.
وسر ذلك أن يكون للآمر غرض جزئي بصدور عمل من الاعمال ، بحيث لا خصوصية فيه لفاعل ولا استيعاب له لأفراد. وأثر ذلك أن يصدر الخطاب عاماً إذ لاخصوصية لواحد ، وأن يسقط التكليف عن الجميع باطاعة البعض فان المفرض وفاؤها بالغاية.
ومن آثار هذا الواجب أن العصيان من الجميع يوجب استحقاقهم جميعاً للعقاب.
وأمثلته في الشرعيات كثيرة ووقوعه في العرفيات أكثر.