فعلى الرغم من قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ على تذليل كل العقبات والصعاب في وجه الرسالة الربانية وخلق المناخ المناسب لها خلقاً بالإعجاز ، لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب ؛ لأنّ الامتحان والابتلاء والمعاناة التي من خلالها يتكامل الانسان يفرض على العمل التغييري الرباني ان يكون طبيعياً وموضوعياً من هذه الناحية ، وهذا لا يمنع من تدخل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أحياناً فيما يخصّ بعض التفاصيل التي لا تكوّن المناخ المناسب وإنما قد يتطلبها أحياناً التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب ، ومن ذلك الإمدادات والعنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة ، وإذا بنار نمرود تصبح برداً وسلاماً على إبراهم (١) ، وإذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تُشلّ وتفقد قدرتها على الحركة (٢) ، وإذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار والمشركين الذين احدقوا بالمدينة في يوم الخندق وتبعث في نفوسهم الرعب (٣) ، إلاّ أنّ هذا كله لا يعدو التفاصيل وتقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب ، والمناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تكوّن بالصورة الطبيعية ووفقاً للظروف الموضوعية.
وعلى هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي عليهالسلام لنجد انّ عملية التغيير التي أُعدّ لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى بظروف موضوعية تُساهم في توفير المناخ الملائم لها ، ومن هنا كان من الطبيعي أن توقّت وفقاً لذلك. ومن المعلوم أنّ المهدي لم يكن قد أعدّ نفسه لعمل اجتماعي محدود ،
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( قَالُوا حَرُِّقوهُ وَانصُرُوا ءَالِهَتَكُم إِن كُنتُمْ فَعِليِنَ * قُلْنَا يَنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيداً فَجَعَلنَهُمُ الأَخسَرِينَ ) الأنبياء : ٦٨ ـ ٧٠.
(٢) راجع الرواية في تفسير ابن كثير ٢ : ٣٣ ، وراجع : البحار / المجلسي ١٨ : ٤٧ و ٥٢ و ٦٠ ، ٧٥ باب معجزات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٣) تاريخ الطبري ٢ : ٢٤٤ حوادث السنة الخامسة من الهجرة.