ونأتي إلى سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة ، وهو السؤال الذي يقول : هل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلاّ ذلك الإنسان الذي ترشحه الظروف ليكون واجهةً لها في تحقيق حركتها؟
والفكرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معينة للتاريخ تفسره على أساس أنّ الإنسان عامل ثانوي (١) فيه ، والقوى الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي ، وفي إطار ذلك لن يكون الفرد في أفضل الأحوال إلاّ التعبير الذكي عن اتجاه هذا العامل الأساسي.
ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من كتبنا المطبوعة (٢) أنّ التاريخ يحتوي على قطبين : أحدهما الإنسان ، والآخر القوى المادية المحيطة به. وكما تؤثر القوى المادية وظروف الإنتاج والطبيعية في الإنسان ، يؤثر الإنسان ايضاً فيما حوله من قوى وظروف ، ولا يوجد مبرر لافتراض العكس ، فالإنسان والمادة يتفاعلان
__________________
(١) إشارة إلى نظرية المادية التاريخية ، أي إلى التفسير الماركسي للتاريخ ، راجع : اقتصادنا ١ : ١٩ ، وفيه تحليل علمي ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه.
(٢) إشارة الى كتاب ( فلسفتنا) ، وإلى مقدمة كتاب ( اقتصادنا).