يجعل من ادّعاء المهدوية سبباً للطعن على فكرة المهدي وأصالتها ، ولكن العكس هو الصحيح. فالادّعاء يدلّ على أنّ المدّعين يستغلّون حقيقيةً موضوعيةً ، واعتقاداً راسخاً عند الناس ، ثمّ لو صحّ أنّ الادّعاء مبطل لأصل القضية ، فلازم ذلك إبطال النبوّات لكثر المدّعين بها.
والأمر المثير للعجب أن يتصدى بعض أدعياء العلم والمعرفة قديماً وحديثاً للتشكيك والتشويش على الأمة المسلمة ، لا لشيءٍ الاّ بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة ، ومقاصدها السامية ، أو بسبب غرض آخر ، ومن هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون وتلامذتهم من أمثال گولدزيهر ، وفلهاوزن ، وفان فلوتن ، ومكدونالد ، وبرنارد لويس ، ومونتغمري وات ، وماسنيون وغيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام ، وسار على منهجهم في إثارة الشبهات والتشكيك بعقائد الإسلام ومقولاته وفي القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، ثمّ سلك هذا المسلك الوهابية ومن سار في ركابهم من أبناء الشيعة والسنّة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر ، وليس لدى جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف مذاهبهم والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي ؛ لثبوت التواتر كما حكاه غير ، ومنهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة ، والشوكاني في التوضيح كما سيأتي.
والغريب أنّ هؤلاء يتوسّلون بنفس الذرائع ، ويتعلّلون بنفس التعلّلات التي توسّل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم ، أو التي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كإنكارهم الإسرار والمعراج (١).
إنّ قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات ، وما يطرحونه هذه
__________________
(١) راجع : تفسير ابن كثير ٣ : ٩ وما بعدها تفسير اول سورة الإسراء.