الأسباب فيزول ، فلا يبقى منه شيء كما لم يكن يوجد منه شيء بالأمس القريب أو البعيد ، وانّ الأعمار التاريخية للحضارات والكيانات مهما طالت فهي ليست إلاّ أياماً قصيرة في عمر التاريخ الطويل.
هل قرأت سورة الكهف؟
وهل قرأت عن أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى (١)؟ وواجهوا كياناً وثنياً حاكماً ، لا يرحم ولا يتردد في خنق أي بذرة من بذور التوحيد والارتفاع عن وحدة الشرك ، فضاقت نفوسهم ودبّ إليها اليأس وسدّت منافذ الأمل أمام أعينهم ، ولجأوا إلى الكهف يطلبون من الله حائلاً لمشكلتهم بعد أن أعيتهم الحلول ، وكبر في نفوسهم أنّ يظل الباطل يحكم ويظلم ويقهر الحق ويصفّى كلّ من يخفف قلبه للحق.
هل تعلم ماذا صنع الله تعالى بهم؟
إنه أنامهم ثلاثمائة سنة وتسع سنين (٢) في ذلك الكهف ، ثمّ بعثهم من نومهم ودفع بهم إلى مسرح الحياة ، بعد أن كان ذلك الكيان الذي بهرهم بقوتهم وظلمه قد تداعى وسقط ، واصبح تاريخاً لا يُرعب احداً ولا يُحرّك ساكناً كل ذلك لكي يشهد هؤلاء الفتية مصرع ذلك الباطل الذي كبر عليهم امتداده وقوته واستمراره ويرو انتهاء امره باعينهم ويتصاغر الباطل في نفوسهم.
ولئن تحققت لأصحاب الكهف هذه الرؤية الواضحة في كل ما تحمّل من زخم وشموخ نفسيّين من خلال ذلك الحدث الفريد الذي مددّ حياتهم ثلاثمائة سنة ، فإن
__________________
(١) اشارة الى الآية القرآنية المباركة : ( إِنَّهُم فِتيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَهُمْ هُدًى ... ) الكهف : ١٣ ، وراجع تفسيرها في الكاشف / الزمخشري ٢ : ٧٠٦ ، نشر دار الكتاب العربي ـ بيروت.
(٢) إشارة إلى الآية : ( وَلَبِثُوا فِي كَهفِهِم ثَلَـثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازدَادُوا تِسعاً ... ) الكهف : ٢٥.