ويلاحظ أنّ ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد ، ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي عليهالسلام تشكل مدلولاً حسيّاً علمياً عاشه المسلمون ، ووعوه في تجربتهم مع الامام بشكل وآخر ، ولا يمكن ان نطالب بإثباتٍ لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أمّة (١).
ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية :
أ ـ لم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن ، ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين ، وخلافة الخلفاء العباسيين ، وانما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي ، والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام ، وقيادته على أسس روحية وفكرية.
ب ـ إنّ هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الاسلام ، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام ، وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً في العالم الاسلامي ، يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذٍ ، حتى قال الحسن بن علي الوشا : إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ (٢) كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.
__________________
(١) راجع : الإرشاد / الشيخ المفيد : ص ٣١٩ وما بعدها.
الصواعق المحرقة : ص ١٢٣ ـ ١٢٤.
فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد عليهالسلام وبين يحيى بن أكثم زمن المأمون ، وكيف استطاع الإمام عليهالسلام أن يثبت أعلميته وقدرته على إفحام الخصم وهو في تلك السن المبكرة.
(٢) راجع : المجالس السنية / السيد الأمين العاملي ٥ : ٢٠٩ ، وهذه قضية مهشورة تناقلها الخاص