إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار ، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك ، أمكن ان نخرج بنتيجة وهي : انّ ظاهرة الامامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام ؛ لأنّ الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين ، ويدين له بالولاء والإمامة كلّ ذلك التيار الواسع ، لابدّ أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن ان تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته ، مع ما تقدم من أنّ الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة أن تسلّط على حياتهم وموازين شخصيتهم. فهل ترى أنّ صبياً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأىً ومسمع من جماهير قواعده الشعبية ، فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون ان تكلّف نفسها اكتشاف حاله ، وبدون ان تهزّها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟ (١) وَهَب أنّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف ، فهل يمكن أن تمرّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون ان تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول ان يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً ثمّ لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟
وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها ان تكتشف واقع الامر ، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة اذا كانت في صالحها؟ وما كان ايسر ذلك على السلطة القائة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان ، وما كان أنجحه من اسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته ، وتبرهن على عدم فكاءته للإمامة
__________________
(١) إشارة الى الامام المهدي عليهالسلام ، ومن قبل إلى الإمام الجواد مثلاً.